الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 95 ] ثم دخلت سنة تسع وأربعين وخمسمائة

فمن الحوادث فيها :

أنه نفذ إلى تكريت بسبب الأسارى ، فقبضوا على الرسول فنفذ الخليفة عسكرا إلى تكريت ، [فخرج أهل تكريت ] فمنعوهم الدخول إلى البلد ، فخرج أمير المؤمنين يوم الجمعة غرة صفر فنزل على البلد فهرب أهله فدخل العسكر البلد فشعثوه ونهبوا بعضه ونزل من القلعة جماعة من الفريقين ، ونصبت ثلاثة عشر منجنيقا على القلعة ، ووقع من سورها أبراج ، وبعث صاحب الموصل يسأل فيهم ويشير عليهم بإعادة الأسراء فلم يقبلوا .

وهبت ليلة الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول [بعد العشاء ] ريح مظلمة ، وظهر فيها نار خاف الناس أن تكون القيامة ، وأثارت من التراب ما يزيد على الحد فتقطع سرادق الخليفة .

وأشرف أمير المؤمنين يوم الأربعاء الخامس عشرين من ربيع الأول على القلعة ، ووقع القتال بين يديه فقتل جماعة فساء له ذلك ورأى الزمان يطول في أخذها فرحل عنها ودخل بغداد في آخر هذا الشهر ثم تقدم إلى الوزير بعوده إلى حصارها واستعداد آلة كثيرة مما يحتاج إليه في فتح القلاع ، فخرج يوم الاثنين سابع ربيع الآخر ونادى من [ ص: 96 ] تخلف بعد ثلاث أبيح ماله ودمه وجيء بالأمراء وعرض العسكر وكانوا ستة آلاف فارس فنزلوا إلى القلعة وانصرف إلى القلعة بثلاثمائة ألف دينار سوى الإقامة فإنها كانت تزيد على الفكر فقرب فتحها فوصل الخبر بأن مسعود بلال جاء إلى شهرابان في عسكر عظيم ومعه ألبقش ونهب الناس فاستدعى الوزير للخروج إليهما وكانا قد حثا السلطان محمدا على قصد العراق فلم يتهيأ له فاستأذناه في التقدم أمامه فأذن لهما فجمعا جمعا كثيرا من التركمان ونزلا بطريق خراسان فخرج الخليفة إليهما فنفذ مسعود من أخرج أرسلان شاه بن طغرل من قلعة تكريت ، وكان محبوسا بها وجعلوا القتال عليه ليكون اسم الملك جامعا للعسكر [وتلازم العسكران ] على نهر بكمزا فعبر الخليفة إليهم فتلازموا ثمانية عشر يوما وتحصن التركمان بالخركاهات والمواشي ويقال : إنهم كانوا اثني عشر ألف بيت من التركمان ثم برزوا للقتال آخر يوم من رجب فكانت الوقعة فانهزمت ميسرة العسكر الخليفي وبعض القلب وكان بإزائهم مسعود الخادم وترشك حتى بلغت الهزيمة إلى باب بغداد وثبت الخليفة وضربوا على خزانته وقتل خازنه يحيى بن يوسف ابن الجزري فلما رأى العسكر الميسرة قد انهزمت ضعفت قلوبهم فجاء منكوبرس ، وكان فارسا شديد البأس ومعه هويذان فنزلا عن الخيل ، وقبلا الأرض بين يدي أمير المؤمنين وقالوا : يا مولانا تثبت علينا ساعة حتى نحمل بين يديك فإذا رأيناك قويت قلوبنا ، فقال : لا والله إلا معكما ! فرفع الطرحة عن رأسه وجذب السيف ولبس الحديد هو وولي العهد وبكرا وصاح أمير المؤمنين : يال مضر كذب الشيطان [وفر ] وقرأ : ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا الآية . وحمل وحمل العسكر بحملته فوقع السيف في العدو ، وسمع صوت السيوف على [ ص: 97 ] الحديد كوقع المطارق على السنادين وانهزم القوم وتم الظفر وسبي التركمان وأخذت أموالهم من الإبل والبقر والغنم ما لا يحصى ، وقيل كانت الغنم أربعمائة ألف رأس فبيع كل كبش بدانق لكثرتها ، ونودي : من كان أخذ من أولاد التركمان أو نسائهم فليرد ، ذلك ، فردوا ، فأخذ البقش الملك وهرب إلى بلده وطلب مسعود وترشك القلعة ودخل الخليفة إلى بغداد في غرة شعبان .

ووصل الخبر في العشرين من شعبان : بأن مسعودا وترشك قصدا واسط ونهبوا ما يختص بالوزير فتقدم إلى الوزير بالخروج فخرج ومعه العسكر في خامس عشرين شعبان فانهزم العدو فلحقهم ونهب منهم رحلا كثيرا وعاد فدخل الوزير على الخليفة فشرفه بقميص وعمامة ولقبه سلطان العراق ملك الجيوش .

وخرج العسكر في عيد الفطر على زي لم ير مثله لاجتماع العساكر وكثرة الأمراء وكان العيد يوم الخميس ، فلما جاءت العشية جاء مطر وفيه رعد وبرق وبرد تزلزلت الأرض لصوته وخر الناس على وجوههم من شدة الرعب ووقعت منه صواعق فوقع بعضها في التاج الذي بناه المسترشد فطار شرارها إلى الرقة وبقيت النار تعمل أياما فأحرقت آلات كثيرة ثم اتصلت الأخبار بمجيء العساكر صحبة محمد شاه وبإنفاذه إلى عسكر الموصل يستنجدهم والي تكريت إلى مسعود بلال فأخرج الخليفة سرادقه واستعرض الوزير العسكر في شوال فكانوا يزيدون على اثني عشر ألف فارس .



وجاء الخبر أن ألبقش قد مات وبعث محمد شاه إلى الأمراء الخلع ، وقال : عودوا السنة إلى مواطنكم فلي السنة عذر والبرد شديد وكان السبب أن محمدا كان قد بعث إلى مسعود بلال في نوبة ألبقش [يقول له ] خذ معك من القلعة بعض الملوك الذين عندك وخذوا بغداد ليهابكم الناس وليعلم أن معكم ملك إلى حين وصولي فأخذ ابن امرأة ألدكز وكانت أمه مع ألدكز فنفذ ألدكز ألفي فارس وقال لهم : كونوا في خدمة الملك واحفظوه فلما وقعت الكسرة وانهزم ألبقش أخذ الصبي فحمله إلى قلعته فلما سمع [ ص: 98 ] محمد شاه ذلك بعث إليه يقول له سر إلي واستصحب الملك فمات البقش وبقي الصبي مع ابن البقش وحسن الجاندار فحملوه إلى الجبل فخاف محمد شاه أن يصل الصبي إلى ألدكز فتتغير الأمور فاعتذر إلى العسكر فهرب من يده جماعة من خواصه وجاءوا إلى الخليفة واتصل الصبي بزوج أمه ألدكز وأمن الناس لتفرق العساكر .

وفي هذا الشهر : وكل بالغزنوي لأجل قرية كانت في يده فلما كان سلخ ذي الحجة نفذ الخليفة عسكرا إلى ناحية همذان ومتقدمهم قيماز السلطاني في ألفي فارس .

التالي السابق


الخدمات العلمية