الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          المنازلة

                                                          قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك [ ص: 4746 ] أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى

                                                          إنهم اختلفوا عندما بين لهم كليم الله موسى - عليه السلام - عاقبة الأمر؛ وتناجوا فيما بينهم؛ وأسروا النجوى مبالغين في الإنكار؛ وانتهوا إلى أن أعلنوا رأي فرعون؛ اتقاء للشر؛ وتعرفا للأمر بعد وقوعه: إن هذان لساحران فيها ثلاث قراءات؛ أولاها؛ وأشهرها بـ "إن "؛ المشددة؛ والألف في الاسم والخبر؛ والقراءة الثانية: "إن هذين لساحران "؛ بـ "إن "؛ المشددة؛ والياء في "هذين "؛ والقراءة الثالثة: "إن هذان لساحران "؛ بـ "إن "؛ المخففة؛ لا المشددة؛ وإن القراءة الوسطى "الثانية "؛ سائرة على الإعراب المشهور؛ وهو أن "هذين "؛ اسم "إن "؛ منصوب بالياء؛ وأما القراءة الأولى فقالوا إنها على اللغة التي تلزم المثنى الألف في الرفع؛ والنصب؛ والجر؛ كما هي في الأسماء الخمسة؛ كما قال القائل:


                                                          إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها



                                                          وأما القراءة الثالثة التي تقرأ بتخفيف "إن "؛ فنقول: إن "إن "؛ مخففة من الثقيلة؛ واسمها ضمير الشأن؛ ويكون التقدير: إنه الأمر المقرر الثابت؛ هذان لساحران؛ وتكون اللام لام التوكيد؛ وتؤذن بأن تكون "إن "؛ مخففة من الثقيلة؛ هذه لفتة إلى الإعراب؛ قد ضل بعض الناس فادعى أنه روي عن عثمان أن في المصحف لحنا تصححه ألسنة العرب؛ وهذا الضلال كان هنا في المقام؛ اللهم إن هذا بهتان عظيم على جامع القرآن ذي النورين - رضي الله عنه؛ وعفا عنه؛ وجزاه عن الإسلام خيرا. [ ص: 4747 ] ونعود على عجل إلى الكلام في معنى الآية الكريمة؛ إن السحرة بعد أن أفزعتهم مقولة موسى؛ وبيان عاقبة قولهم إن حادوا عن الحق؛ وآثروا أن ينطقوا على هوى فرعون؛ حتى يتبين لهم الحق؛ قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى ضربوا على نغمة فرعون ابتداء؛ منجاة بأنفسهم من بطشه؛ والنفس الإنسانية دائما مأسورة بالأمر الحاضر؛ مؤجلة القابل إلى ميقاته؛ وكذلك كان هؤلاء؛ ويذهبا بطريقتكم المثلى الباء هنا للتعدية؛ والمعنى: ليذهبا طريقتكم؛ وجيء بالباء لتقوية التعدية؛ أي: ليذهبا أي إذهاب بطريقتكم المثلى؛ أي: دينكم الأمثل؛ وكل معتقد يعتقد في دينه أنه الأمثل في الأديان؛ وإن كان ضلالا في ضلال.

                                                          ويظهر أنه كان الخلاف مستحكما؛ ولكن أخفوه؛ ولذا قالوا:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية