الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          2214 - مسألة : في امرأة أحلت نفسها ، أو تزوج رجل خامسة ، أو دلست ، أو دلست بنفسها لأجنبي ؟ قال أبو محمد رحمه الله : حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب أنه قال في المرأة تقول للرجل : إني حل لك ، فيمسها على ذلك فتلد منه : أنه يرجم ولا يرثه ذلك الولد ؟ قال أبو محمد : ليس لأحد أن يحل ما حرم الله تعالى ، فإحلالها نفسها باطل وهو زنى محض وعليه الرجم والجلد إن كانا محصنين ولا يلحق في هذا ولد أصلا إذا [ ص: 191 ] لم يكن عقد ، فإن كانا جاهلين فلا شيء عليهما ، وإن كان أحدهما جاهلا والآخر عالما ، فالحد على العالم دون الجاهل .

                                                                                                                                                                                          وعن بكير بن الأشج أنه قال في امرأة انطلقت إلى جاريتها فهيأتها بهيئتها وجعلتها في حجلتها وجاء زوجها فوطئها ، قال : تنكل المرأة ولا جلد على الرجل وعلى الجارية حد الزنى إن كانت تدري أن ذلك لا يحل .

                                                                                                                                                                                          ولو أن امرأة دلست نفسها لأجنبي فوطئها يظن أنها امرأته : فهي زانية ترجم وتجلد إن كانت محصنة أو تجلد وتنفى ، إن كانت غير محصنة ولا يلحق الولد في ذلك ؟ قال أبو محمد : في امرأة وجدت مع رجل ولها زوج فقالت : تزوجني : نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرني بعض أهل الكوفة أن علي بن أبي طالب رجم امرأة كانت ذات زوج فجاءت أرضا فتزوجت ولم تشك أن ما جاءها موت زوجها ولا طلاقه .

                                                                                                                                                                                          وعن ابن شهاب أنه قال : نرى في امرأة حرة كانت تحت عبد فتحولت أرضا أخرى فتزوجت رجلا ، قال : نرى عليها الحد ولا نرى على الذي تزوجها شيئا ، ولا على الذي أنكحها إن كان لا يعلم أنها كان لها زوج ؟ .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : وأما من تزوج خامسة ، فإن حماما قال : حدثنا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في الرجل يتزوج الخامسة ؟ قال : يجلد ، فإن طلق رابعة من نسائه طلقة أو طلقتين ثم تزوج الخامسة قبل انقضاء عدة التي طلق : جلد مائة

                                                                                                                                                                                          وبه - إلى عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قال ابن شهاب : في رجل نكح الخامسة فدخل بها ، قال : إن كان قد علم ذلك أن الخامسة لا تحل : رجم ، وإن كان جاهلا جلد أدنى الحدين ، ولها مهرها بما استحل منها ، ثم يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدا ، فإن ولدت لم يرثه ولدها .

                                                                                                                                                                                          وعن إبراهيم النخعي في الذي ينكح الخامسة متعمدا قبل أن تنقضي عدة الرابعة من نسائه : أنه يجلد مائة ولا ينفى .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 192 ] وقال آخرون غير هذا : كما روي عن الأوزاعي قال : سألت ابن شهاب عن الرجل يتزوج الأخت على الأخت ، والخامسة - وهو يعلم أنه حرام - قال : يرجم إن كان محصنا .

                                                                                                                                                                                          قال ابن وهب : وسمعت الليث يقول ذلك .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك ، والشافعي وأصحابنا : يرجم إلا أن يعذر بجهل ؟

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد رحمه الله : فلما اختلفوا - كما ذكرنا - وجب أن ننظر في ذلك ، فوجدنا من قال : لا حد على من تزوج خامسة يحتج بما ذكرنا في أول الباب الذي قبل هذا متصلا به في الكلام في المرأة تتزوج ولها زوج والرد عليه قد ذكرناه هنالك أيضا بما جملته أنه ليس زواجا ، لأن الله تعالى حرمه ، وإذ ليس زواجا فهو عهر ، فإذا هو عهر فعليه حد الزنى وعليها كذلك إن كانا عالمين بأن ذلك لا يحل ولا يلحق فيه الولد أصلا ، فإن كانا جاهلين فلا حد في ذلك لما ذكرنا ويلحق الولد ، وإن كان أحدهما جاهلا والآخر عالما فالحد على العالم ولا شيء على الجاهل ، وأما من قال : إنه يجلد أدنى الحدين فليس بشيء لما ذكرنا هنالك من أنه زان أو غير زان ، فإن كان زانيا فعليه حد الزنى كاملا ، وإن كان غير زان فلا شيء عليه ، لأن بشرته حرام إلا بقرآن أو بسنة - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية