الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا

                                                                                                                                                                                                                                      وما نتنزل إلا بأمر ربك حكاية لقول جبريل حين استبطأه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أصحاب الكهف، وذي القرنين، والروح. فلم يدر كيف يجيب؟ ورجا أن يوحى إليه فيه فأبطأ عليه أربعين يوما، أو خمسة عشر، فشق ذلك عليه مشقة شديدة. وقال المشركون: ودعه ربه وقلاه. ثم نزل ببيان ذلك، وأنزل الله عز وجل هذه الآية، وسورة الضحى. والتنزيل: النزول على مهل; لأنه مطاوع للتنزيل. وقد يطلق على مطلق النزول كما يطلق التنزيل على الإنزال، والمعنى: وما نتنزل وقتا غب وقت إلا بأمر الله تعالى على ما تقتضيه حكمته. وقرئ: (وما يتنزل) بالياء، والضمير للوحي. له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وهو ما نحن فيه من الأماكن والأزمنة، ولا ينتقل من مكان إلى مكان، ولا نتنزل في زمان دون زمان إلا بأمره ومشيئته. وما كان ربك نسيا أي: تاركا لك. يعني أن عدم النزول لم يكن إلا لعدم الأمر به لحكمة بالغة فيه، ولم يكن لتركه تعالى لك، وتوديعه إياك كما زعمت الكفرة، وفى إعادة اسم الرب المعرب عن التبليغ إلى الكمال اللائق مضافا إلى ضميره عليه السلام من تشريفه، والإشعار بعلة الحكم ما لا يخفى. وقيل: أول الآية حكاية قول المتقين حين يدخلون الجنة مخاطبا بعضهم بعضا بطريق التبجح والابتهاج. والمعنى: وما نتنزل الجنة إلا بأمر الله تعالى ولطفه، وهو مالك الأمور كلها سالفها، ومترقيها، وحاضرها. فما وجدناه وما نجده من لطفه وفضله، وقوله تعالى: "وما كان ربك نسيا" تقرير لقولهم من جهة الله تعالى، أي: وما كان ناسيا لأعمال العاملين، وما وعدهم من الثواب عليها، وقوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية