الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وإذا كان ذلك هو الحق، فإطاعة الله ورسوله هي فيصل التفرقة بين الحق والباطل وبين محبة الله ومحبة الضلال، وبين الإيمان والكفر، ولذا قال سبحانه وتعالى بعد ذلك:

                                                          قل أطيعوا الله والرسول .

                                                          الأمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يدعوهم إلى طاعة الله وطاعته، وهو معنى الاتباع في الماضي، وتكرر الأمر بهذه الصيغة للإشارة إلى أن اتباع الرسول هو طاعة لله [ ص: 1190 ] وللرسول، فمن اتبع الرسول لا يطيع الرسول فقط، بل يطيع الله رب العالمين، وما كان الرسول ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، والسبب في التكرار في ذاته هو تأكيد المعنى الذي قررناه، وهو أن محبة العبد للرب ليس لها طريق إلا الاتباع، ولذا يقول الزمخشري في الكشاف: " من ادعى محبته وخالف سنة رسوله فهو كذاب، وكتاب الله يكذبه، وإذا رأيت من يذكر محبته، ويصفق بيديه مع ذكرها، ويطرب وينعر ويصفق، فلا تشك في أنه لا يعرف ما الله؟ ولا يدري ما محبة الله؟ وما تصفيقه وطربه ونعرته وصعقته إلا لأنه تصور في نفسه الخبيثة صورة مستملحة معشقة فسماها الله بجهله ودعارته ثم صفق وطرب ونعر وصعق على تصورها " .

                                                          وهنا إشارة بلاغية تتفق مع المقصد الأسمى من الآيتين الكريمتين، وهو إثبات أن محبة الله تعالى طريقها المستقيم الذي لا عوج فيه هو اتباع الرسول، وتلك الإشارة أنه سبحانه قال: قل أطيعوا الله والرسول فقد ذكر الأمر بالإطاعة غير مكرر عند العطف، فلم يقل: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، وعدم التكرار يومئ إلى أن الطاعة واحدة، وأن إطاعة الرسول إطاعة لله تعالى، كما صرح سبحانه وتعالى بذلك في قوله تعالى: من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا وإن من إعجاز القرآن الكريم أن تكون العبارات والإشارات البيانية كلها تتجه إلى مقصد النص الكريم وترشح له.

                                                          فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين أي: فإن أعرضوا عن اتباع ما تدعوهم وهو اتباعك الذي به تكون إطاعة الله ومحبته، فإنهم لا ينالون محبة الله تعالى؛ لأنهم كافرون؛ إذ تعمدوا ألا يطيعوك، وأنكروا أن اتباعك طريق محبة الله رب العالمين. ففي هذا النص الكريم دلالة على أن محبة الله لا ينالها إلا من يتبع الرسول بأبلغ ما يكون من بيان، وذلك لوجوه: [ ص: 1191 ] أولها: أنه سبحانه عبر بأنه لا يحبهم، وليس بعد نفي الحب إلا البغض والسخط، فالله ساخط على من لا يتبعون الرسول، وإذا كان رب العالمين ساخطا عليهم، فمن المؤكد أنه لم يعتبر حالهم حال من يحبونه ويبتغون رضاه.

                                                          وثانيها: أنه عبر عن تركهم اتباع الرسول بالتولي وهو الإعراض، وكيف يكون طالبا لمحبة الله من يعرض عن طاعة الله.

                                                          وثالثها: أنه سبحانه وتعالى عبر عنهم في حال الإعراض متعمدين منكرين بأنهم كافرون، وكيف يكون محبا لله ومحبوبا من الله من يكون كافرا بأوامره، منكرا لرسالته، معاندا لرسوله! إن ذلك في القياس غريب.

                                                          اللهم وفقنا لاتباع نبيك لنرتفع إلى مقام من يحبونك، ولننال سمو محبتك. فقد قال نبيك وقوله الحق: " إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبدا دعا جبريل، فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض " .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية