الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3296 [ ص: 5 ] باب: إعطاء السلب بعض القاتلين بالاجتهاد

                                                                                                                              وذكره النووي في (الباب المتقدم)

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 61 - 63 ج 12 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عبد الرحمن بن عوف، أنه قال: بينا أنا واقف في الصف يوم بدر، نظرت عن يميني وشمالي، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار ، حديثة أسنانهما. تمنيت لو كنت بين أضلع منهما. فغمزني أحدهما، فقال: يا عم! هل تعرف أبا جهل؟ قال: قلت: نعم. وما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم. والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا. قال: فتعجبت لذلك. فغمزني الآخر. فقال مثلها. قال: فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس فقلت ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألان عنه قال فابتدراه فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال "أيكما قتله؟" فقال كل واحد منهما أنا قتلت فقال هل مسحتما سيفيكما قالا لا فنظر في السيفين فقال: "كلاكما قتله" وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء ] .

                                                                                                                              [ ص: 6 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 6 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن عبد الرحمن بن عوف) رضي الله عنه : (أنه قال : بينا أنا واقف في الصف يوم بدر ، نظرت عن يميني وشمالي ، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار ، حديثة أسنانهما) بالجر ، صفة لغلامين . وأسنانهما بالرفع . (تمنيت لو كنت بين أضلع منهما) . هكذا هو في جميع النسخ : " أضلع " بالضاد المعجمة وبالعين . وكذا حكاه عياض عن جميع نسخ صحيح مسلم ، وهو الأصوب . قال: ووقع في بعض روايات البخاري : " أصلح ". قال : وكذا رواه مسدد . قلت: وكذا وقع في حاشية بعض نسخ صحيح مسلم . ولكن الأول أصح وأجود . مع أن الاثنين صحيحان . ولعله قالهما جميعا. ومعنى " أضلع " : أقوى . من الضلاعة وهي القوة : قال في النهاية : معناه : بين رجلين أقوى من اللذين كنت بينهما وأشد .

                                                                                                                              (فغمزني أحدهما ، فقال : يا عم ! هل تعرف أبا جهل ؟ قال : قلت : نعم . وما حاجتك إليه ؟ يا ابن أخي ! قال : أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. والذي نفسي بيده لئن رأيته ، لا يفارق سوادي سواده) أي : شخصي شخصه . " والسواد " بفتح السين : هو الشخص .

                                                                                                                              (حتى يموت الأعجل منا) . أي : لا أفارقه ، حتى يموت أحدنا ، وهو الأقرب أجلا.

                                                                                                                              [ ص: 7 ] وقيل : إن لفظ "الأعجل" تصحيف . وإنما هو "الأعجز " . وهو الذي يقع في كلام العرب كثيرا . قال في الفتح : والصواب :ما وقع في الرواية . لوضوح معناه .

                                                                                                                              (فتعجبت لذلك . فغمزني الآخر ، فقال مثلها . قال : فلم أنشب) أي : لم ألبث (أن نظرت إلى أبي جهل ، يزول في الناس) بالزاي والواو . قال النووي : هكذا هو في جميع نسخ بلادنا . وكذا رواه القاضي عن جماهير شيوخهم . قال: ووقع عند بعضهم ، عن ابن ماهان : " يرفل " بالراء والفاء . قال : والأول أظهر وأوجه . ومعناه : يتحرك وينزعج ، ولا يستقر على حالة ولا في مكان . " والزوال " : القلق . قال: فإن صحت الرواية الثانية ، فمعناه: يسبل ثيابه ودرعه ويجره .

                                                                                                                              (فقلت : ألا تريان ؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه . قال : فابتدراه ، فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه ، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم ، فأخبراه . فقال : " أيكما قتله ؟ فقال كل واحد منهما : أنا قتلته. فقال : " هل مسحتما سيفيكما ؟ قالا : لا . فنظر في السيفين ، فقال : " كلاكما قتله ") .

                                                                                                                              قال المهلب : نظره صلى الله عليه وآله وسلم في السيفين ، واستدلاله : ليرى ما بلغ الدم من سيفيهما ، ومقدار عمق دخولهما في جسم المقتول ، [ ص: 8 ] ليحكم بالسلب لمن كان في ذلك أبلغ . ولذلك سألهما أولا : هل مسحتما سيفيكما أم لا؟ لأنهما لو مسحاهما ، لما تبين المراد من ذلك .

                                                                                                                              (وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح) .

                                                                                                                              اختلف العلماء في معنى هذا الحديث ;

                                                                                                                              فقالت الشافعية : اشترك هذان الرجلان في جراحته . لكن معاذا هذا أثخنه أولا ، فاستحق السلب . وإنما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " كلاكما قتله " تطييبا لقلب الآخر ، من حيث إن له مشاركة في قتله . وإلا فالقتل الشرعي الذي يتعلق به استحقاق السلب ، وهو الإثخان ، وإخراجه عن كونه متمنعا : إنما وجد من معاذ بن عمرو بن الجموح . فلهذا قضى له بالسلب . وقالوا : وإنما أخذ السيفين ، ليستدل بهما على حقيقة كيفية قتلهما . فعلم أن ابن الجموح أثخنه . ثم شاركه الثاني بعد ذلك ، وبعد استحقاقه السلب . فلم يكن له حق في السلب .

                                                                                                                              وقال أصحاب مالك : إنما أعطاه لأحدهما ، لأن الإمام مخير في السلب يفعل فيه ما يشاء . قال النووي : وقد سبق الرد على مذهبهم هذا . انتهى .

                                                                                                                              وأطال في النيل ، في بيان هذا الإشكال وحله . فراجعه .

                                                                                                                              (والرجلان : معاذ بن عمرو بن الجموح ، ومعاذ بن عفراء) . هكذا رواه البخاري ومسلم ، من رواية يوسف بن الماجشون . وجاء في البخاري [ ص: 9 ] أيضا ، من حديث إبراهيم بن سعد : أن الذي ضربه ، ابنا عفراء . وذكره أيضا من رواية ابن مسعود . وأن ابني عفراء ضرباه حتى برد . وذكر ذلك مسلم بعد هذا .

                                                                                                                              وذكر غيرهما : أن ابن مسعود ، هو الذي أجهز عليه ، وأخذ رأسه . وكان وجده وبه رمق . وله معه خبر معروف . قال عياض : هذا قول أكثر أهل السير . قلت : يحمل على أن الثلاثة اشتركوا في قتله ، وكان الإثخان من " معاذ بن عمرو بن الجموح ". وجاء ابن مسعود بعد ذلك وفيه رمق ، فجز رقبته .

                                                                                                                              قال في النيل : وقع في البخاري : أنهما ابنا عفراء . فقيل : إن " عفراء " أم معاذ . واسم أبيه : " الحارث". وأما ابن الجموح ، فليس اسم أمه "عفراء" . وإنما أطلق عليه تغليبا . ويحتمل : أن تكون أم معاذ أيضا تسمى : " عفراء " ، وأنه لما كان لمعوذ أخ يسمى : " معاذا " باسم الذي شركه في قتل أبي جهل ، ظنه الراوي أخاه . انتهى .

                                                                                                                              [ ص: 10 ] وفي هذا الحديث من الفوائد : المبادرة إلى الخيرات ، والاشتياق إلى الفضائل .

                                                                                                                              وفيه : الغضب لله ، ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم .

                                                                                                                              وفيه : أنه ينبغي أن لا يحتقر أحد . فقد يكون بعض من يستصغر عن القيام بأمر ، أكبر مما في النفوس وأحق بذلك الأمر ، كما جرى لهذين الغلامين . والله أعلم بالصواب .




                                                                                                                              الخدمات العلمية