الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (44) قوله : تترى : فيه وجهان، أحدهما: - وهو الظاهر- أنه منصوب على الحال من "رسلنا" بمعنى متواترين أي: واحدا بعد [ ص: 345 ] واحد، أو متتابعين على حسب الخلاف في معناه كما سيأتي. وحقيقته أنه مصدر واقع موقع الحال. والثاني: أنه نعت مصدر محذوف تقديره: إرسالا تترى أي: متتابعين أو إرسالا إثر إرسال.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن كثير وأبو عمرو - وهي قراءة الشافعي- "تترى" بالتنوين. وباقي السبعة "تترى" بألف صريحة دون تنوين. وهذه هي اللغة المشهورة، فمن نون فله وجهان، أحدهما: أن وزن الكلمة فعل كفلس، فقوله: "تترى" كقولك: نصرته نصرا. ووزنه في قراءتهم فعلا. وقد رد هذا الوجه بأنه لم يحفظ جريان حركات الإعراب على رائه، فيقال: هذا تتر ومررت بتتر نحو: هذا نصر، ورأيت نصرا، ومررت بنصر. فإذا لم يحفظ ذلك بطل أن يكون وزنه فعلا. الثاني: أن ألفه للإلحاق بـ جعفر كهي في أرطى وعلقى فلما نون ذهبت لالتقاء الساكنين. وهذا أقرب مما قبله، ولكنه يلزم منه وجود ألف الإلحاق في المصادر وهو نادر، الثالث: أنها للتأنيث كدعوى. وهي واضحة فتحصل في ألفه ثلاثة أوجه، أحدها: أنها بدل من التنوين في الوقف. الثاني: أنها للإلحاق. الثالث: للتأنيث. واختلف فيها: هل هي مصدر كدعوى وذكرى، أو اسم جمع كأسرى وشتى، كذا قالهما الشيخ. وفيه نظر; إذ المشهور أن أسرى وشتى جمعا تكسير لا اسما جمع. وفاؤها في الأصل واو; لأنها من المواترة والوتر، فقلبت تاء كما قلبت تاء في توراة وتولج [ ص: 346 ] وتيقور وتخمة وتراث وتجاه، فإنها من الوري والولوج والوقار والوخامة والوراثة والوجه.

                                                                                                                                                                                                                                      واختلفوا في مدلولها: فعن الأصمعي: واحدا بعد واحد، وبينهما مهلة. وقال غيره: هي من المواترة وهي التتابع بغير مهلة. وقال الراغب: "والتواتر: تتابع الشيء وترا وفرادى. قال تعالى: "ثم أرسلنا [رسلنا] تترى" والوتيرة: السجية والطريقة. يقال: هم على وتيرة واحدة. والترة: الذحل. والوتيرة: الحاجز بين المنخرين.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "أحاديث" قيل: هو جمع "حديث" ولكنه شاذ. وقيل: بل هو جمع أحدوثة كأضحوكة. وقال الأخفش:" لا يقال ذلك إلا في الشر. ولا يقال في الخير. وقد شذت العرب في أليفاظ فجمعوها على صيغة مفاعيل كأباطيل وأقاطيع". وقال الزمخشري: "الأحاديث تكون اسم جمع للحديث، ومنه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم". قال الشيخ: "وأفاعيل ليس من [ ص: 347 ] أبنية اسم الجمع، وإنما ذكره أصحابنا فيما شذ من الجموع كقطيع وأقاطيع، وإذا كان عباديد قد حكموا عليه بأنه جمع تكسير مع أنهم لم يلفظوا له بواحد فأحرى "أحاديث" وقد لفظ له بواحد وهو "حديث" فاتضح أنه جمع تكسير لا اسم جمع لما ذكرنا".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية