الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى: يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات الآية (4) .

ذكروا في الطيبات قولين:

أحدهما: أنها بمعنى: الحلال، وذلك أن ضد الطيب هو الخبيث، والخبيث حرام، فإذا الطيب هو الحلال، والأصل فيه الاستلذاذ، فيشبه الحلال في انتفاء المضرة منها جميعا.

وقال تعالى: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات يعني: الحلال.

وقال: ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث وهي المحرمات. وهذا فيه بعد من وجه; فإنه إن كان الطيب بمعنى الحلال، فتقديره: يسألونك ماذا أحل لهم، قل أحل لهم الحلال، فيكون معناه: إعادة العبارة عما سألوا عنه من غير زيادة بيان، فيكون بمثابة من يقول: يسألونك ماذا أحل لهم؟ قل: أحل لهم ما أحل لكم، وهو لا يليق ببيان صاحب الشريعة.

وكذلك في قوله تعالى: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات ليس المراد به الحلال فقط. [ ص: 23 ] وكذلك قوله: ويحل لهم الطيبات .

ومعنى الجميع ما يستطاب من المأكولات ليس أنه التعبير عن نفس الشيء. وأبان بذلك أنه على مناقضة اليهود الذين أخبر الله تعالى عنهم بقوله: فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم . فقال مخبرا عن هذا الدين: إن هذا الدين يحل لهم الطيبات، ويتضمن التسهيل، ودفع الإصر والأغلال التي كانت على المتقدمين.

وهذا حسن بين في إبانة معنى الآية على خلاف ما قالوه من المعنى الآخر، ولما كان كذلك قال الشافعي : أبان الله تعالى أنه أحل الطيبات، والطباع فيما يستطاب من الأشياء واستخبائها مختلفة، فوجب اعتبار حال فريق من الفرق الذين بعث الرسول إليهم، فإنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى أمم مختلفة الهمم والأخلاق والطباع، ولا يمكن اعتبار استطابة الأمم على اختلافها، فجعلت العرب الذين هم قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصلا، وجعل من عداهم تبعا لهم، فكل ما تستطيبه العرب هو حلال، كالثعلب والضب، وما لا فلا.

فبين الشافعي علة حل لحم الضب، فإن الضب مستطاب عند العرب وإن كان لا تشتهيه نفوس العجم. فهذا تمام ما أردنا بيانه من هذا المعنى.

التالي السابق


الخدمات العلمية