الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      الذين ضل أي ضاع وبطل بالكلية عند الله عز وجل (سعيهم) في إقامة تلك الأعمال في الحياة الدنيا متعلق بسعي لا بضل لأن بطلان سعيهم غير مختص بالدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      قيل : المراد بهم أهل الكتابين وروي ذلك عن ابن عباس وسعد بن أبي وقاص ومجاهد ويدخل في الأعمال حينئذ ما عملوه من الأحكام المنسوخة المتعلقة بالعبادات ، وقيل : الرهبان الذين يحبسون أنفسهم في الصوامع ويحملونها على الرياضات الشاقة ، وقيل الصابئة ، وسألابن الكواء عليا كرم الله تعالى وجهه عنهم [ ص: 48 ] فقال : منهم أهل حروراء يعني الخوارج ، واستشكل بأن قوله تعالى : أولئك الذين كفروا إلخ يأباه لأنهم لا ينكرون البعث وهم غير كفرة ، وأجيب بأن من اتصالية فلا يلزم أن يكونوا متصلين بهم من كل الوجوه بل يكفي كونهم على الضلال مع أنه يجوز أن يكون كرم الله تعالى وجهه معتقدا لكفرهم ، واستحسن أنه تعريض بهم على سبيل التغليظ لا تفسير للآية ، والمذكور في مجمع البيان أن العياشي روى بسنده أن ابن الكواء سأل أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه عن أهل هذه الآية فقال : أولئك أهل الكتاب كفروا بربهم وابتدعوا في دينهم فحبطت أعمالهم وما أهل النهر منهم ببعيد ، وهذا يؤيد الجواب الأول ، وأخبر أن المراد ما يعم سائر الكفرة ، ومحل الموصول الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف لأنه جواب للسؤال كأنه قيل من هم؟ فقيل الذين إلخ ، وجوز أن يكون في محل جر عطف بيان على (الأخسرين) وجوز أن يكون نعتا أو بدلا وأن يكون منصوبا على الذم على أن الجواب ما سيأتي إن شاء الله تعالى من قوله سبحانه أولئك الذين إلخ .

                                                                                                                                                                                                                                      وتعقب بأنه يأبى ذلك أن صدره ليس منبئا عن خسران الأعمال وضلال السعي كما يستدعيه مقام الجواب والتفريع الأول وإن دل على هبوطها، لكنه ساكت عن أنباء بما هو العمدة في تحقيق معنى الخسران من الوثوق بترتب الربح واعتقاد النفع فيما صنعوا على أن التفريع الثاني مما يقطع ذلك الاحتمال رأسا إذ لا مجال لإدراجه تحت الأمر بقضية نون العظمة، والجواب عن ذلك لا يتم إلا بتكلف فتأمل وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا الإحسان الإتيان بالأعمال على الوجه اللائق وهو حسنها الوصفي المستلزم لحسنها الذاتي أي يعتقدون أنهم يعملون ذلك على الوجه اللائق لإعجابهم بأعمالهم التي سعوا في إقامتها وكابدوا في تحصيلها ، والجملة حال من فاعل (ضل) أي ضل سعيهم المذكور، والحال أنهم يحسنون في ذلك وينتفعون بآثاره أو من المضاف إليه في (سعيهم) لكونه في محل الرفع أي بطل سعيهم والحال أنهم إلخ ، والفرق بين الوجهين أن المقارن لحال حسبانهم المذكور في الأول ضلال سعيهم ، وفي الثاني نفس سعيهم قيل : والأول أدخل في بيان خطئهم ، ولا يخفى ما بين يحسبون ويحسنون من تجنيس التصحيف ومثل ذلك قول البحتري :


                                                                                                                                                                                                                                      ولم يكن المغتر بالله إذ سرى ليعجز والمعتز بالله طالبه



                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية