الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 206 ] قوله تعالى : قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون

قوله تعالى : قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين المعنى لما رجعوا من عيدهم ورأوا ما أحدث بآلهتهم ، قالوا على جهة البحث والإنكار : من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين . وقيل : من ليس استفهاما ، بل هو ابتداء وخبره لمن الظالمين أي فاعل هذا ظالم . والأول أصح لقوله : سمعنا فتى يذكرهم وهذا هو جواب من فعل هذا . والضمير في قالوا للقوم الضعفاء الذين سمعوا إبراهيم ، أو الواحد على ما تقدم . ومعنى يذكرهم يعيبهم ويسبهم فلعله الذي صنع هذا . واختلف الناس في وجه رفع إبراهيم ؛ فقال الزجاج يرتفع على معنى يقال له هو إبراهيم ؛ فيكون خبر مبتدأ محذوف ، والجملة محكية . قال : ويجوز أن يكون رفعا على النداء وضمه بناء ، وقام له مقام ما لم يسم فاعله . وقيل : رفعه على أنه مفعول ما لم يسم فاعله ؛ على أن يجعل إبراهيم غير دال على الشخص ، بل يجعل النطق به دالا على بناء هذه اللفظة . أي يقال له هذا القول وهذا اللفظ ، كما تقول زيد وزن فعل ، أو زيد ثلاثة أحرف ، فلم تدل بوجه الشخص ، بل دللت بنطقك على نفس اللفظة . وعلى هذه الطريقة تقول : قلت إبراهيم ، ويكون مفعولا صحيحا نزلته منزلة قول وكلام ؛ فلا يتعذر بعد ذلك أن يبنى الفعل فيه للمفعول . هذا اختيار ابن عطية في رفعه . وقال الأستاذ أبو الحجاج الأشبيلي الأعلم : هو رفع على الإهمال . قال ابن عطية : لما رأى وجوه الرفع كأنها لا توضح المعنى الذي قصدوه ، ذهب إلى رفعه بغير شيء ، كما قد يرفع التجرد والعرو عن العوامل الابتداء . والفتى الشاب والفتاة الشابة . وقال ابن عباس : ما أرسل الله نبيا إلا شابا . ثم قرأ : سمعنا فتى يذكرهم .

قوله تعالى : قالوا فأتوا به على أعين الناس فيه مسألة واحدة ، وهي :

أنه لما بلغ الخبر نمرود وأشراف قومه ، كرهوا أن يأخذوه بغير بينة ، فقالوا : ائتوا به ظاهرا بمرأى من الناس حتى يروه لعلهم يشهدون عليه بما قال ؛ ليكون ذلك حجة عليه . وقيل : لعلهم يشهدون عقابه فلا يقدم أحد على مثل ما أقدم عليه . أو لعل قوما يشهدون بأنهم رأوه يكسر الأصنام ، أو لعلهم يشهدون طعنه على آلهتهم ؛ ليعلموا أنه يستحق العقاب .

[ ص: 207 ] قلت : وفي هذا دليل على أنه كان لا يؤاخذ أحد بدعوى أحد فيما تقدم ؛ لقوله تعالى : فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون وهكذا الأمر في شرعنا ولا خلاف فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية