الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 263 ] 6 - باب: الرياء في الصدقة لقوله جل وعز: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى إلى قوله والله لا يهدي القوم الكافرين . وقال ابن عباس رضي الله عنهما: صلدا :ليس عليه شيء. وقال عكرمة: وابل مطر شديد، والطل: الندى. [فتح: 3 \ 277]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: بالمن أي: لا تمنوا بما أعطيتم والأذى أن يوبخ المعطى. فهذان يبطلان الصدقة، كما تبطل نفقة المنافق الذي يعطي رياء ليوهم أنه مؤمن، وروى الطبري عن عمرو بن حريث قال: إن الرجل يغزو ولا يزني ولا يسرق ولا يغل، لا يرجع بالكفاف. فقيل له: لماذا؟ قال: إن الرجل ليخرج، فإذا أصابه من بلاء الله الذي قد حكم عليه سب ولعن إمامه ولعن ساعة غزا، وقال: لا أعود لغزوة معه أبدا. فهذا عليه وليس له مثل النفقة في سبيل الله يتبعها من وأذى، فقد ضرب الله مثلها في القرآن: يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم [البقرة: 264] حتى ختم الآية .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: فمثله كمثل صفوان [البقرة: 264] أي: فمثل نفقته كمثل صفوان، وهو الحجر الأملس. وحكى قطرب: صفوان- بكسر الصاد، والمعنى: لم يقدروا على كسبهم وقت حاجتهم ومحق مما ذهب كما محق المطر التراب عن الصفا، ولم يوافق في الصفا منبتا.

                                                                                                                                                                                                                              وما ذكره عن ابن عباس في تفسير فتركه صلدا [البقرة: 264] أخرجه ابن جرير عن محمد بن سعد حدثني أبي قال: حدثني عمي قال:

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 264 ] حدثني أبي عن ابن عباس . فذكره ، ومن وجهين آخرين عنه كذلك ، وفي رواية: تركها نقية ليس عليها شيء . وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" من حديث الضحاك عنه بقوله: فتركه يابسا خاسئا لا ينبت شيئا .

                                                                                                                                                                                                                              وما ذكره عن عكرمة في وابل [البقرة: 264] أخرجه عبد بن حميد في "تفسيره"، عن روح، عن عثمان بن غياث عنه، به سواء ، وقال غيره: الطل: مطر صغير القطر يدوم. وقال مجاهد فيما حكاه ابن أبي حاتم: الطل: الندى. قال: وروي عن جماعات نحوه .

                                                                                                                                                                                                                              أما فقه الباب: فالرياء يبطل الصدقة وجميع الأعمال; لأن المرائي إنما يفعل ذلك من أجل الناس ليحمدوه على عمله، فلم يحمده الله تعالى حين رضي بحمد الناس عوضا (من) حمد الله وثوابه، وراقب الناس دون ربه، قال عليه أفضل الصلاة والسلام: "من عمل عملا أشرك فيه غيري فهو له، وأنا أغنى الشركاء عن الشرك" ; وجاء في الحديث أن الرياء: الشرك الأصغر ، وكذلك المن والأذى يبطلان الصدقة; [ ص: 265 ] لأن المنان بها لم ينو الله فيها ولا أخلصها لوجهه تعالى، ولا ينفع عمل بغير نية لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" ، وكذلك المؤذي لمن يصدق عليه، يبطل إثم الأذى أجر الصدقة.

                                                                                                                                                                                                                              وقد نهى الله تعالى عن انتهار السائل، فما فوق ذلك من الأذى أدخل في النهي، وكان ينبغي للبخاري أن يخرج في الباب حديث: "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها .. " الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              فهو يشبه التبويب; لأن من ابتغى وجه الله سلم من الرياء، وابتغاء غير وجه الله هو عين الرياء.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية