الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3306 باب منه

                                                                                                                              وهو في النووي في (باب حكم الفيء) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 81 ج 12 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ (عن أبي هريرة) (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال: "لا يقتسم ورثتي دينارا. ما تركت بعد نفقة نسائي ومئونة عاملي، فهو صدقة" ) ] .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              قال العلماء : هذا التقييد بالدينار ، هو من باب التنبيه على ما سواه .

                                                                                                                              كما قال الله تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . وقال تعالى: ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك .

                                                                                                                              [ ص: 46 ] قالوا : وليس المراد بهذا اللفظ، النهي . لأنه إنما ينهى عما يمكن وقوعه. وإرثه صلى الله عليه وآله وسلم غير ممكن. وإنما هو بمعنى الإخبار . ومعناه : لا يقتسمون شيئا ، لأني لا أورث . هذا هو الصحيح المشهور من مذاهب العلماء في معنى الحديث . وبه قال جماهيرهم .

                                                                                                                              وحكى عياض عن ابن علية ، وبعض أهل البصرة : أنهم قالوا : إنما لم يورث ، لأن الله تعالى خصه أن جعل ماله كله صدقة .

                                                                                                                              والصواب : الأول . وهو الذي يقتضيه سياق الحديث . ثم إن جمهور العلماء على أن جميع الأنبياء عليهم السلام، لا يورثون .

                                                                                                                              وحكى عياض عن الحسن البصري ، أنه قال : عدم الإرث بينهم مختص بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، لقوله تعالى عن زكريا يرثني ويرث من آل يعقوب . وزعم أن المراد : وراثة المال .

                                                                                                                              وقال : لو أراد وراثة النبوة ، لم يقل : وإني خفت الموالي من ورائي إذ لا يخاف الموالي على النبوة ، ولقوله تعالى : وورث سليمان داود .

                                                                                                                              قال النووي : والصواب ما حكيناه عن الجمهور ; أن جميع الأنبياء لا يورثون . والمراد بقصة زكريا وداود : وراثة النبوة . وليس المراد حقيقة الإرث ، بل قيامه مقامه وحلوله مكانه. والله أعلم . انتهى .

                                                                                                                              [ ص: 47 ] وإن شئت مزيد الاطلاع على معنى الآيات ، فراجع تفسيرنا "فتح البيان ".

                                                                                                                              والمراد بالعامل في قوله : ومؤونة عاملي ;

                                                                                                                              قيل : هو القائم على هذه الصدقات ، والناظر فيها .

                                                                                                                              وقيل : كل عامل للمسلمين من خليفة وغيره . لأنه عامل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ونائب عنه في أمته .

                                                                                                                              وأما مؤونة نسائه صلى الله عليه وآله وسلم ، فسبق بيانها قريبا .

                                                                                                                              قال عياض - في تفسير صدقات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، المذكورة في أحاديث هذا الباب - : صارت إليه بثلاثة حقوق ;

                                                                                                                              أحدها : ما وهب له صلى الله عليه وآله وسلم . وذلك وصية " مخيريق " اليهودي له عند إسلامه يوم أحد . وكانت سبع حوائط في بني النضير . وما أعطاه الأنصار من أرضهم ، وهو ما لا يبلغه الماء.

                                                                                                                              وكان هذا ملكا له ، صلى الله عليه وآله وسلم .

                                                                                                                              الثاني : حقه من الفيء من أرض بني النضير ، حين أجلاهم . كانت له خاصة . لأنها لم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب .

                                                                                                                              وأما منقولات بني النضير ، فحملوا منها ما حملته الإبل ، غير السلاح كما صالحهم .

                                                                                                                              [ ص: 48 ] ثم قسم صلى الله عليه وآله وسلم الباقي بين المسلمين . وكانت الأرض لنفسه ، ويخرجها في نوائب المسلمين .

                                                                                                                              وكذلك نصف أرض " فدك " . صالح أهلها بعد فتح "خيبر" على نصف أرضها . وكان خالصا له.

                                                                                                                              وكذلك ثلث أرض وادي القرى . أخذه في الصلح ، حين صالح أهلها اليهود .

                                                                                                                              وكذلك حصنان من حصون خيبر ، وهما "الوطيخ، والسلالم" ، أخذهما صلحا .

                                                                                                                              الثالث : سهمه من خمس خيبر ، وما افتتح فيها عنوة .

                                                                                                                              فكانت هذه كلها ، ملكا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاصة ، لا حق فيها لأحد غيره. لكنه صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يستأثر بها ، بل ينفقها على أهله والمسلمين ، وللمصالح العامة . وكل هذه صدقات محرمات التملك بعده . والله أعلم بالصواب .




                                                                                                                              الخدمات العلمية