الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 127 ] 233 - باب بيان مشكل ما روي { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التقليس في الأعياد }

1484 - حدثنا محمد بن سليمان بن الحارث الأزدي الباغندي ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا شريك ، عن جابر ، عن عامر ، عن { قيس بن سعد بن عبادة ، قال : شهدت عيدا بالأنبار ، فقلت لهم : ما لي لا أراكم تقلسون كما كانوا يقلسون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ؟ }

[ ص: 128 ]

1485 - حدثنا محمد بن عبد الرحيم الهروي ، قال : حدثنا آدم بن أبي إياس ، قال : حدثنا شيبان وإسرائيل ، عن جابر ، عن عامر ، عن { قيس بن سعد ، قال : ما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء إلا قد رأيته يعمل بعده إلا شيئا واحدا ، فإنه كان يقلس يوم الفطر ، يعني يلعب } .

قال أبو جعفر : فكان ما روينا من هذا الحديث إنما يرجع إلى جابر بن يزيد الجعفي مطلقا لا يذكر سماع له إياه ، عن عامر الشعبي ، وما لم يكن من حديث جابر مذكورا فيه سماعه إياه ممن يحدث به عنه ، وما يدل على ذلك فليس بالقوي عند من يميل إليه ، فكيف عند من ينحرف عنه ، وذلك أني سمعت فهد بن سليمان يقول : سمعت أبا نعيم يقول : قال سفيان : كل ما قال لك فيه جابر : سمعت أو حدثني أو أخبرني فاشدد به يديك ، وما كان سوى ذلك ففيه ما فيه .

1486 - وقد حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا يوسف بن عدي الكوفي ، عن شريك ، عن مغيرة ، عن عامر ، عن { عياض الأشعري ، قال : شهدت عيدا بالأنبار ، فقلت : ما لي [ ص: 129 ] لا أراكم تقلسون كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله } .

قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث رد الشعبي إياه إلى عياض الأشعري ، وعياض هذا رجل من التابعين ، فعاد الحديث به إلى أن [ ص: 130 ] صار منقطعا ، وكان أولى مما رويناه قبله في هذا الباب ؛ لأن مغيرة عن الشعبي أثبت من جابر عن الشعبي ، وإن كان الشعبي قد حدث عن قيس بن سعد بغير هذا الحديث .

1487 - كما حدثنا الباغندي ، قال : حدثنا عمرو بن عون الواسطي ، قال : حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق ، قال : حدثنا شريك ، عن حصين ، عن عامر ، { عن قيس بن سعد بن عبادة ، قال : أتيت الحيرة ، قال : فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم ، وسقط كلام ، وهو : فلما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم قلت : يا رسول الله ، إني أتيت الحيرة ، فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم ، فقلت : رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن نسجد له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو أمرت شيئا أن يسجد لشيء لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن } .

[ ص: 131 ] قال أبو جعفر : وقيس بن سعد متأخر الوفاة ، ليس بمستنكر لقي الشعبي إياه .

ذكر محمد بن سعد صاحب الواقدي في كتابه في الطبقات ، قال : وقيس بن سعد توفي بالمدينة في آخر خلافة معاوية .

وأما التقليس في الحديث الأول الذي ذكرناه في هذا الباب فلا اختلاف بين أهل اللغة وبين من سواهم ممن يؤخذ مثل هذا عنه أنه اللعب واللهو اللذان ليسا بمكروهين ، كمثل ما أطلق في الأعراس منهما ، وإن كان ما يفعل في الأعياد وفي الأعراس منهما مختلفين ، وذلك والله أعلم إنما هو ليعلم أهل الكتابين أن في دين الإسلام سماحة .

فإن قال قائل : كيف تقبلون هذا وقد رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يخالفه ؟ فذكر .

1488 - ما قد حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ، عن حميد ، عن أنس بن مالك ، قال : { قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية ، فقال : إن الله قد أبدلكم بهما خيرا [ ص: 132 ] منهما : يوم الفطر ، ويوم الأضحى } .

1489 - وكما حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : حدثنا حميد ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم... فذكر مثله .

قيل له : ما في هذا ما يخالف ما ذكرناه قبله ؛ لأن الذي أخبرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ، إنما هو إبدال الله عز وجل إياهم باليومين اللذين كانوا يلعبون فيهما في الجاهلية : يوم الفطر ويوم النحر .

وقد يحتمل أن يكون - يعني - أراد بذلك منهم أن يجعلوا فيهما من اللعب ما كانوا يفعلونه في ذينك اليومين من اللعب في الجاهلية ، وذلك عندنا والله أعلم على اللعب المباح مثله لا على اللعب المحظور مثله كما قد أبيح لهم في أعراسهم اللعب الذي أبيح لهم فيها .

1490 - كما قد حدثنا أبو أمية وإبراهيم بن أبي داود ، جميعا قالا : حدثنا يحيى بن صالح الوحاظي ، قال : حدثنا سليمان بن بلال ، قال : حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائما ، ثم يجلس [ ص: 133 ] ثم يقوم فيخطب قائما خطبتين ، فكان الجواري إذا نكحوا يمرون بالكبر والمزامير ، فيشتد الناس ويدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما ، فعاتبهم الله عز وجل ، فقال : وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما . الآية .

قال أبو جعفر : أفلا ترى أن الله تعالى لم ينههم عن اللهو الذي قد أباح مثله فيما كان ذلك اللهو منهم فيه ، وكذلك اللعب الذي قد أباحه في الأعياد غير داخل في مثله من اللهو الذي قد نهاهم عنه في غير الأعياد ، فبان بحمد الله ونعمته أن لا تضاد في شيء مما ذكرناه من الآثار في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية