الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (61) قوله : أولئك يسارعون : هذه الجملة خبر "إن الذين". وقرأ الأعمش "إنهم" بالكسر على الاستئناف فالوقف على "وجلة" تام أو كاف. وقرأ الحر "يسرعون" من أسرع. قال الزجاج : "يسارعون أبلغ" يعني من حيث إن المفاعلة تدل على قوة الفعل لأجل المغالبة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "وهم لها سابقون" في الضمير في "لها" أوجه، أظهرها: أنه يعود على "الخيرات" لتقدمها في اللفظ. وقيل: يعود على الجنة. وقيل: على [ ص: 354 ] السعادة. وقيل: على الأمم. والظاهر أن "سابقون" هو الخبر. و "لها" متعلق به قدم للفاصلة وللاختصاص. واللام قيل: بمعنى إلى. يقال: سبقت له وإليه بمعنى. ومفعول "سابقون" محذوف تقديره: سابقون الناس إليها. وقيل: اللام للتعليل أي: سابقون الناس لأجلها. وتكون هذه الجملة مؤكدة للجملة قبلها، وهي "يسارعون في الخيرات" ولأنها تفيد معنى آخر وهو الثبوت والاستقرار بعدما دلت الأولى على التجدد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزمخشري: "أي فاعلون السبق لأجلها أو سابقون الناس لأجلها". قال الشيخ: "وهذان القولان عندي واحد". قلت: ليسا بواحد إذ مراده بالتقدير الأول أن لا يقدر للسبق مفعول البتة، وإنما الغرض الإعلام بوقوع السبق منهم من غير نظر إلى من سبقوه كقوله: " يحيي ويميت " " وكلوا واشربوا " "يعطي ويمنع" وغرضه في الثاني تقدير مفعول حذف للدلالة، واللام للعلة في التقديرين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزمخشري أيضا: "أو إياها سابقون أي: ينالونها قبل الآخرة، حيث عجلت لهم في الدنيا". قلت: يعني أن "لها" هو المفعول بـ "سابقون" وتكون اللام قد زيدت في المفعول. وحسن زيادتها شيئان، [658/أ] كل منهما لو انفرد لاقتضى الجواز: كون العامل فرعا، وكونه مقدما عليه معموله. قال الشيخ: "ولا يدل لفظ "لها سابقون" على هذا التفسير لأن سبق الشيء [ ص: 355 ] الشيء يدل على تقدم السابق على المسبوق فكيف يقول: وهم يسبقون الخيرات؟ وهذا لا يصح". قلت: ولا أدري: عدم الصحة من أي جهة؟ وكأنه تخيل أن السابق يتقدم على المسبوق فكيف يتلاقيان؟ لكنه كان ينبغي أن يقول: فكيف يقول: وهم ينالون الخيرات وهم لا يجامعونها لتقدمهم عليها؟ إلا أن يكون قد سبقه القلم فكتب بدل "وهم ينالون": "وهم يسبقون"، وعلى كل تقدير فأين عدم الصحة؟.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزمخشري أيضا: "ويجوز أن يكون "وهم لها سابقون" خبرا بعد خبر، ومعنى "وهم لها" كمعنى قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3420 - أنت لها أحمد من بين البشر ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      يعني أن هذا الوصف الذي وصف به الصالحين غير خارج من حد الوسع والطاقة". فتحصل في اللام ثلاثة أقوال، أحدها: أنها بمعنى "إلى". الثاني: أنها للتعليل على بابها. الثالث: أنها مزيدة. وفي خبر المبتدأ قولان، أحدهما: أنه "سابقون" وهو الظاهر. والثاني: أنه الجار كقوله:

                                                                                                                                                                                                                                      50 - أنت لها أحمد من بين البشر      ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 356 ] وقد رجحه الطبري، وهو مروي عن ابن عباس.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية