الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولقريب محرم فقير عاجز عن الكسب بقدر الإرث لو موسرا ) أي تجب النفقة للقريب إلى آخره ; لأن الصلة في القرابة القريبة واجبة دون البعيدة والفاصل أن يكون ذو رحم محرم ، وقد قال تعالى { : وعلى الوارث مثل ذلك } ، وفي قراءة عبد الله بن مسعود وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك قيد بالقريب ; لأن المحرم الذي ليس بقريب كالأخ من الرضاع تجب نفقته وقيد بالمحرم ; لأن الرحم غير المحرم لا تجب نفقته كابن العم وإن كان وارثا ولا بد أن تكون المحرمية بجهة القرابة ; لأنه لو كان قريبا محرما لا من جهتها كابن العم إذا كان أخا من الرضاع فإنه لا نفقة له ، كذا في شرح الطحاوي .

                                                                                        فلو كان له خال وابن عم فالنفقة على الخال لمحرميته لا على ابن العم وإن كان وارثا ; لأن المراد من الوارث في الآية من هو أهل للميراث لا كونه وارثا حقيقة إذ لا يتحقق ذلك إلا بعد الموت والخال في الجملة سواء كان وارثا في هذه الحالة أو لم يكن ، وعند الاستواء في المحرمية وأهلية الإرث يرجح من كان وارثا حقيقة في هذه الحالة حتى إذا كان له عم وخال فالنفقة على العم ; لأنهما استويا في المحرمية ويترجح العم على الخال لكونه وارثا حقيقة ، وكذلك إذا كان له عم وعمة وخالة فالنفقة على العم لا غير إن كان موسرا وإن كان معسرا فالنفقة على العمة والخالة أثلاثا على قدر ميراثهما ويجعل العم كالميت وفي القنية يجبر الأبعد إذا غاب الأقرب وقيد بالفقر ; لأن الغني نفقته على نفسه وقيدنا بالعجز عن الكسب وهو بالأنوثة مطلقا وبالزمانة والعمى ونحوها في الذكر فنفقة المرأة الصحيحة الفقيرة على محرمها فلا يعتبر في الأنثى إلا الفقر ، وأما البالغ الفقير فلا بد من عجزه بزمانة أو عمى أو فقء العينين أو شلل اليدين أو مقطوع الرجلين أو معتوه أو مفلوج زاد في التبيين أن يكون من أعيان الناس يلحقه العار من التكسب أو طالب علم لا يتفرغ لذلك وفي المجتبى البالغ إذا كان عاجزا عن الكسب وهو صحيح فنفقته على الأب وهكذا قالوا في طالب العلم إذا كان لا يهتدي إلى الكسب لا تسقط نفقته عن الأب بمنزلة الزمن والأنثى ا هـ .

                                                                                        وفي القنية والظاهر أنه لم يخف على أبي حامد قول السلف بوجوب نفقة طالب العلم على الأب لكن أفتى بعدم وجوبها لفساد أحوال أكثر طلبة العلم فإن من كان منهم حسن السير مشتغلا بالعلوم النافعة يجبر الآباء على الإنفاق عليهم وإنما يطالبهم فساق المبتدعة الذين شرهم أكثر من خيرهم يحضرون الدرس ساعة بخلافيات ركيكة ضررها في الدين أكثر من نفعها ، ثم يشتغلون طول النهار بالسخرية والغيبة والوقوع في الناس مما يستحقون به لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فيقذف الله البغض في قلوب آبائهم وينزغ عنهم الشفقة فلا يعطون مناهم في الملابس والمطاعم فيطالبونهم بالنفقة ويؤذونهم مع حرمة التأفيف ، ولو علموا بسيرتهم السلف لحرموا الإنفاق عليهم ومن كان بخلافهم نادر في هذا الزمان فلا يفرد بالحكم دفعا لحرج التمييز بين المصلح والمفسد قلت : لكن نرى طلبة العلم بعد الفتنة العامة المشتغلين بالفقه والأدب اللذين هما قواعد الدين وأصول كلام العرب والاشتغال بالكسب يمنعهم عن التحصيل ويؤدي إلى ضياع العلم والتعطيل فكان المختار الآن قول السلف وهفوات البعض لا تمنع وجوب النفقة كالأولاد والأقارب ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية