الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ خنس ]

                                                          خنس : الخنوس : الانقباض والاستخفاء . خنس من بين أصحابه يخنس ويخنس ، بالضم ، خنوسا وخناسا وانخنس : انقبض وتأخر ، وقيل : رجع . وأخنسه غيره : خلفه ومضى عنه . وفي الحديث : الشيطان يوسوس إلى العبد فإذا ذكر الله خنس أي انقبض منه وتأخر . قال الأزهري : وكذا قال الفراء في قوله تعالى : من شر الوسواس الخناس ؛ قال : إبليس يوسوس في صدور الناس ، فإذا ذكر الله خنس ، وقيل : إن له رأسا كرأس الحية يجثم على القلب ، فإذا ذكر الله العبد تنحى وخنس ، وإذا ترك ذكر الله رجع إلى القلب يوسوس ، نعوذ بالله منه . وفي حديث جابر : ( أنه كان له نخل فخنست النخل أي تأخرت عن قبول التلقيح فلم يؤثر فيها ولم تحمل تلك السنة . وفي حديث الحجاج : ( إن الإبل ضمز خنس ما جشمت جشمت ) ؛ الخنس جمع خانس أي متأخر ، والضمز جمع ضامز ، وهو الممسك عن الجرة ، أي أنها صوابر على العطش وما حملتها حملته ؛ وفي كتاب الزمخشري : حبس ، بالحاء والباء الموحدة بغير تشديد . الأزهري : خنس في كلام العرب يكون لازما ويكون متعديا . يقال : خنست فلانا فخنس أي : أخرته فتأخر وقبضته فانقبض وخنسته أكثر . وروى أبو عبيد عن الفراء والأموي : خنس الرجل يخنس وأخنسته ، بالألف ، وهكذا قال ابن شميل في حديث رواه : يخرج عنق من النار فتخنس بالجبارين في النار ؛ يريد تدخل بهم في النار وتغيبهم فيها . يقال : خنس به أي واراه . ويقال : يخنس بهم أي يغيب بهم . وخنس الرجل إذا توارى وغاب . وأخنسته أنا أي خلفته ؛ قال الراعي :


                                                          إذا سرتم بين الجبيلين ليلة وأخنستم من عالج كد أجوعا



                                                          الأصمعي : أخنستم خلفتم ، وقال أبو عمرو : جزتم ، وقال : أخرتم . وفي حديث كعب : فتخنس بهم النار . وحديث ابن عباس : ( أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي فأقامني حذاءه فلما أقبل على صلاته انخنست . وفي حديث أبي هريرة : ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقيه في بعض طرق المدينة قال : فانخنست منه ) ، وفي رواية : اختنست ، على المطاوعة بالنون والتاء ، ويروى : فانتجشت . بالجيم والشين وفي حديث الطفيل : ( فخنس عني أو حبس ، قال : هكذا جاء بالشك . وقال الفراء : أخنست عنه بعض حقه ، فهو مخنس ، أي أخرته ؛ وقال البعيث :


                                                          وصهباء من طول الكلال زجرتها     وقد جعلت عنها الأخرة تخنس



                                                          قال الأزهري : وأنشدني أبو بكر الإيادي لشاعر قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنشده من أبيات :


                                                          وإن دحسوا بالشر فاعف تكرما     وإن خنسوا عنك الحديث فلا تسل



                                                          وهذا حجة لمن جعل خنس واقعا . قال : ومما يدل على صحة هذه اللغة ما رويناه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الشهر هكذا وهكذا ، وخنس إصبعه في الثالثة أي : قبضها يعلمهم أن الشهر يكون تسعا وعشرين ؛ وأنشد أبو عبيد في أخنس وهي اللغة المعروفة :


                                                          إذا ما القلاسي والعمائم أخنست     ففيهن عن صلع الرجال حسور



                                                          الأصمعي : سمعت أعرابيا من بني عقيل يقول لخادم له كان معه في السفر فغاب عنهم : لم خنست عنا ؟ أراد : لم تأخرت عنا وغبت ولم تواريت ؟ والكواكب الخنس : الدراري الخمسة تخنس في مجراها وترجع وتكنس كما تكنس الظباء وهي : زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد لأنها تخنس أحيانا في مجراها حتى تخفى تحت ضوء الشمس وتكنس أي تستتر كما تكنس الظباء في المغار ، وهي الكناس ، وخنوسها استخفاؤها بالنهار ، بينا نراها في آخر البرج كرت راجعة إلى أوله ؛ ويقال : سميت خنسا لتأخرها لأنها الكواكب المتحيرة التي ترجع وتستقيم ؛ ويقال : هي الكواكب كلها لأنها تخنس في المغيب أو لأنها تخفى نهارا ؛ ويقال : هي الكواكب السيارة منها دون الثابتة . الزجاج في قوله تعالى : فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ؛ قال : أكثر أهل التفسير في الخنس أنها النجوم ، وخنوسها أنها تغيب وتكنس تغيب أيضا كما يدخل الظبي في كناسه . قال : والخنس جمع خانس . وفرس خنوس : وهو الذي يعدل ، وهو مستقيم في حضره ، ذات اليمين وذات الشمال ، وكذلك الأنثى بغير هاء ، والجمع خنس والمصدر الخنس ، بسكون النون . ابن سيده : فرس خنوس يستقيم في حضره ثم يخنس كأنه يرجع القهقرى . والخنس في الأنف : تأخره إلى الرأس وارتفاعه عن الشفة وليس بطويل ولا مشرف ، وقيل : الخنس قريب من الفطس ، وهو لصوق القصبة بالوجنة وضخم الأرنبة ، وقيل : انقباض قصبة الأنف وعرض الأرنبة ، وقيل : الخنس في الأنف تأخر الأرنبة في الوجه وقصر الأنف ، وقيل : هو تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة ؛ والرجل [ ص: 168 ] أخنس والمرأة خنساء ، والجمع خنس ، وقيل : هو قصر الأنف ولزوقه بالوجه ، وأصله في الظباء والبقر ، خنس خنسا وهو أخنس ، وقيل : الأخنس الذي قصرت قصبته وارتدت أرنبته إلى قصبته ، والبقر كلها خنس ، وأنف البقر أخنس لا يكون إلا هكذا ، والبقرة خنساء ، والترك خنس ؛ وفي الحديث : تقاتلون قوما خنس الآنف ، والمراد بهم الترك لأنه الغالب على آنافهم وهو شبه الفطس ؛ ومنه حديث أبي المنهال في صفة النار : ( وعقارب أمثال البغال الخنس ) . وفي حديث عبد الملك بن عمير : ( والله لفطس خنس ، بزبد جمس ، يغيب فيها الضرس ) ؛ أراد بالفطس نوعا من التمر تمر المدينة ، وشبهه في اكتنازه وانحنائه بالأنوف الخنس لأنها صغار الحب لاطئة الأقماع ؛ واستعاره بعضهم للنبل فقال يصف درعا :


                                                          لها عكن ترد النبل خنسا     وتهزأ بالمعابل والقطاع



                                                          ابن الأعرابي : الخنس مأوى الظباء ، والخنس : الظباء أنفسها . وخنس من ماله : أخذ . الفراء : الخنوس ، بالسين ، من صفات الأسد في وجهه وأنفه ، وبالصاد ولد الخنزير . وقال الأصمعي : ولد الخنزير يقال له الخنوس ؛ رواه أبو يعلى عنه . والخنس في القدم : انبساط الأخمص وكثرة اللحم ، قدم خنساء . والخناس : داء يصيب الزرع فيتجعثن منه الحرث فلا يطول . وخنساء وخناس وخناسى ، كله : اسم امرأة . وخنيس : اسم . وبنو أخنس : حي . والثلاث الخنس : من ليالي الشهر ، قيل لها ذلك لأن القمر يخنس فيها أي يتأخر ؛ وأما قول دريد بن الصمة :


                                                          أخناس قد هام الفؤاد بكم     وأصابه تبل من الحب



                                                          يعني به خنساء بنت عمرو بن الشريد فغيره ليستقيم له وزن الشعر .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية