الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة ست وستين وخمسمائة

فمن الحوادث فيها:

أنه وقع حريق عظيم في درب المطبخ ثم في سويقة خرابة ابن جردة ثم أرجف على الخليفة بالمرض أنه انقطع عن الركوب ثم ركب وتصدق بالخبز والبقر وعملت دعوة في دار البدرية وخلعت الخلع وضربت الطبول للبشارة بسلامته وجاءت خرق البحر مع المكيين على عادتهم وبين يديها الطبول والهدايا ثم مرض المستنجد بالله فلما اشتد مرضه كان الأتراك يحفظون البلد مديدة ثم توفي ففتحت الحبوس وأخرج من فيها وما زالت الحمرة الكثيرة [عند مرض المستنجد] ترمي ضوءها على الحيطان مثل شعاع الشمس .

باب ذكر خلافة المستضيء بالله

واسمه: الحسن بن يوسف المستنجد بالله ، ويكنى: أبا محمد ، وأمه أرمنية تدعى: غضة ، ولد في سادس شعبان سنة ست وثلاثين وخمسمائة ، ولم يتول [ ص: 191 ] الخلافة من اسمه الحسن ويكنى أبا محمد إلا الحسن بن علي وهو ، فقد اشتركا في الاسم والكنية والكرم ، كان له من الولد: أبو العباس أحمد وهو الذي تولى الخلافة بعده وأبو منصور هاشم .

بويع المستضيء بأمر الله يوم توفي المستنجد البيعة الخاصة بايعه أهل بيته وبعث إلى الوزير ابن البلدي أن احضر البيعة فلما دخل دار الخلافة وكان [في ولايته] قد قطع أنف امرأة ويد رجل بجناية جرت منهما وكان ذلك بتقدم فسلم إلى أولياء القوم ذلك اليوم فقطعوا أنفه ثم يده ثم ضرب بالسيوف وألقي في دجلة وتولى ذلك أستاذ الدار ابن رئيس الرؤساء ، ثم جلس المستضيء بأمر الله بكرة الأحد تاسع ربيع الآخر في التاج فبايعه الناس ، وصلى في التاج يومئذ على المستنجد ونودي برفع المكوس وردت مظالم كثيرة وأظهر من العدل والكرم ما لم نره من أعمارنا واستوزر أستاذ الدار وجلس لعزاء المستنجد بذاته ثلاثة أيام وتكلمت في تلك الأيام في بيت النوبة ثم أذن للوعاظ في الوعظ بعد أن كانوا قد منعوا مدة وفرق الإمام المستضيء بأمر الله مالا عظيما على الهاشميين والعلويين والعلماء والأربطة ، وكان دائم البذل للمال ليس له عنده وقع ، وخلع على أرباب الدولة والقضاة والجند وجماعة من العلماء وحكى خياط المخزن أنه فصل ألفا وثلاثمائة قباء إبريسم وخطب له على منابر بغداد يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر ونثرت الدنانير كما جرت العادة وولي روح بن أحمد الحديثي قضاء القضاة يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر وولي يومئذ أبو المحاسن عمر بن علي الدمشقي الحكم بنهر معلى وولي ابن الشاشي النظامية فمضى الدعاة بين يديه .

وفي هذا الشهر: عزل ابن شبيب مشرف المخزن وولي مكانه أبو بكر ابن العطار وجعل ابن شبيب وكيلا بباب الحجرة وولي من الأمراء المماليك نحو سبعة عشر أميرا وقدم فخر الدولة ابن المطلب إلى بغداد وكان مقيما بمشهد علي عليه السلام وردت عليه أملاكه وولي ابن البخاري الديوان . [ ص: 192 ]

وكسف القمر ليلة النصف من جمادى الأولى وهذا عجب لأن عادته الانكساف في ليلة الرابع عشر .

وفي يوم الجمعة العشرين من جمادى الأولى: خلع على الوزير الخلع التامة ومشى بين يديه قيماز وقاضي القضاة وغيرهما . وفي يوم الاثنين ثالث عشرين الشهر: جلس الوزير في داره للهناء وأنشد الحيص بيص:


أقول وقد تولى الأمر خير ولي لم يزل برا تقيا     وقد كشف الظلام بمستضيء
غدا بالخلق كلهم حفيا     وفاض الجود والمعروف حتى
حسبناه حبابا أو أتيا     بلغنا فوق ما كنا نرجي
هنيئا يا بني الدنيا هنيا     سألنا الله يرزقنا إماما
نسر به فأعطانا نبيا

وقال أيضا:


يا إمام الهدى علوت عن الجو     د بمال وفضة ونضار
فوهبت الأعمار والأمن والبلدان     في ساعة [مضت] من نهار
فبماذا أثني عليك وقد جاوزت     فضل البحور والأمطار
إنما أنت معجز مستمر     خارق للعقول والأفكار
جمعت نفسك الشريفة بين الباس     والجود بين ماء ونار

واحتجب الخليفة عن أكثر الناس فلم يركب إلا مع الخدم ولم يدخل إليه غير [ ص: 193 ] قيماز وجلس الوزير في الديوان يوم الجمعة وأجلس عن يمينه ابن الشاشي وكانت العادة أن اليمين لأصحاب أبي حنيفة فأخذ المكان منهم .

واستشهد في جمادى الآخرة ابنا ابن المنصوري الخطيب .

وقبض في يوم الجمعة خامس عشرين جمادى الآخرة على أحمد الفوي وابنه وسعد الشرابي وأخذت مدرسة كانت للحنفية وقد كانت قديما للشافعية وهي بالموضع المسمى بباب المدرسة على الشط وقد حضرت فيها مناظرة يوسف الدمشقي وبيده كانت وآل أمرها إلى أن سلمت إلى محمد البروي فدرس فيها وحضر قاضي القضاة وشيخ الشيوخ وحاجب الباب ومدرس النظامية وابن سديد الدولة كاتب الإنشاء .

وشرع في نقض الكشك الذي عمله المستنجد ليعمل بآلته مسناة للسور فتراجف الناس بمجيء العسكر فاحتدت سوق الطعام .

وفي رجب: ولي ابن ناصر العلوي التدريس بمدرسة السلطان التي كان فيها اليزدي فحضر درسه قاضي القضاة وغيره .

وفي يوم السبت رابع عشرين الشهر: ولي الأمير السيد العلوي التدريس بجامع السلطان مكان اليزدي .

وفي هذه الأيام: وهي أمر أبي بكر ابن العطار والسبب أنه كان ينافس صاحب المخزن فانقطع عن المخزن وقيل أنه أخذت الوكالة منه .

وفي غرة شعبان: بعث يزدن مع جماعة من العسكر إلى واسط ليردوا ابن سنكا عن البلاد .

وفي ثامنه نقضت الدور التي اشتراها قيماز ليعملها دارا كبيرة وكان من جملتها دار ابن الطيبي وكانت بعيدة المثل قد غرم عليها ألوفا فأعطى منها ألفا وكذلك أخذ ما حولها من الدور المثمنة بثمن بخس وأخرج أهلها وتشتتوا . [ ص: 194 ]

وجرى في سابع شعبان بين أهل المأمونية وباب الأزج فتنة بسبب السباع انتهبت فيها سويقة البزازين .

وفي عشية الاثنين ثامن عشرين شعبان: نقل تابوت الخليفة من الدار إلى الترب .

وفي نصف رمضان: هبت ريح عظيمة ورعدت السماء بقعقعة لم يسمع بمثلها فخر الناس على وجوههم وكان للوزير طبق جميل طول الشهر وكان الذي يحضر فيه من الخبز كل ليلة ألف رطل وأربعمائة رطل حلاوة سكر وفرق أمير المؤمنين مصاحف كانت في الدار على جماعة فبعث إلي مصحفا مليح الخط كثير الإذهاب .

وفي سلخ شوال: جلس أمير المؤمنين للرسل الذين جاءوا من همذان وغيرها فبايعوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية