الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الاحتكار

                                                                                                          1267 حدثنا إسحق بن منصور أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا محمد بن إسحق عن محمد بن إبراهيم عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله بن نضلة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحتكر إلا خاطئ فقلت لسعيد يا أبا محمد إنك تحتكر قال ومعمر قد كان يحتكر قال أبو عيسى وإنما روي عن سعيد بن المسيب أنه كان يحتكر الزيت والحنطة ونحو هذا قال أبو عيسى وفي الباب عن عمر وعلي وأبي أمامة وابن عمر وحديث معمر حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم كرهوا احتكار الطعام ورخص بعضهم في الاحتكار في غير الطعام وقال ابن المبارك لا بأس بالاحتكار في القطن والسختيان ونحو ذلك [ ص: 404 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 404 ] قال الحافظ : الاحتكار الشرعي إمساك الطعام عن البيع وانتظار الغلاء مع الاستغناء عنه وحاجة الناس إليه ، وبهذا فسره مالك عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب ، وعن أحمد : إنما يحرم احتكار الطعام المقتات دون غيره من الأشياء . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( لا يحتكر إلا خاطئ ) بالهمز أي : عاص آثم ، ورواه مسلم بلفظ : من احتكر فهو خاطئ ، قال النووي : الاحتكار المحرم هو في الأقوات خاصة بأن يشتري الطعام في وقت الغلاء ، ولا يبيعه في الحال ، بل ادخره ليغلو ، فأما إذا جاء من قرية أو اشتراه في وقت الرخص وادخره وباعه في وقت الغلاء فليس باحتكار ، ولا تحريم فيه ، وأما غير الأقوات فلا يحرم الاحتكار فيه بكل حال . انتهى ، واستدل مالك بعموم الحديث على أن الاحتكار حرام من المطعوم ، وغيره ذكره ابن الملك في شرح المشارق ، كذا في المرقاة . قوله : ( فقلت ) قائله محمد بن إبراهيم ( لسعيد ) أي : ابن المسيب ( يا أبا محمد ) كنية سعيد بن المسيب ( إنك تحتكر قال ومعمر ) أي : ابن عبد الله بن فضالة ( قد كان يحتكر ) أي : في غير الأقوات ( والخبط ) بفتح الخاء المعجمة والموحدة الورق الساقط أي : علف الدواب ( ونحو هذا ) أي : من غير الأقوات قال ابن عبد البر وآخرون إنما كانا يحتكران الزيت ، وحملا الحديث على احتكار القوت عند الحاجة إليه ، وكذلك حمله الشافعي وأبو حنيفة وآخرون قوله : ( وفي الباب عن عمر ) مرفوعا من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس أخرجه ابن ماجه ، قال الحافظ في الفتح : إسناده حسن ، وعنه مرفوعا بلفظ الجالب مرزوق والمحتكر ملعون أخرجه ابن ماجه وإسناده ضعيف . ( وعلي ) لم أقف على حديثه ( وأبي أمامة ) مرفوعا من احتكر طعاما أربعين يوما ، ثم تصدق به لم يكن له كفارة أخرجه رزين ( وابن عمر ) مرفوعا من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ منه أخرجه أحمد والحاكم قال الحافظ في الفتح في إسناده مقال ، وفي الباب [ ص: 405 ] عن أبي هريرة مرفوعا : من احتكر حكرة يريد أن يغالي بها على المسلمين فهو خاطئ أخرجه الحاكم ذكره الحافظ وسكت عنه ، وعن معاذ مرفوعا من احتكر طعاما على أمتي أربعين يوما وتصدق به لم يقبل منه أخرجه ابن عساكر . قوله : ( ورخص بعضهم في الاحتكار في غير الطعام ) واحتجوا بالروايات التي فيها التصريح بلفظ الطعام ، قال الشوكاني في النيل : وظاهر أحاديث الباب أن الاحتكار محرم من غير فرق بين قوت الآدمي والدواب وبين غيره ، والتصريح بلفظ الطعام في بعض الروايات لا يصلح لتقييد باقي الروايات المطلقة ، بل هو من التنصيص على فرد من الأفراد التي يطلق عليها المطلق وذلك لأن نفي الحكم عن غير الطعام إنما هو لمفهوم اللقب ، وهو غير معمول به عند الجمهور ، وما كان كذلك لا يصلح للتقييد على ما تقرر في الأصول . قوله : ( قال ابن المبارك لا بأس بالاحتكار بالقطن والسختيان ) قال في القاموس : السختيان ويفتح جلد الماعز إذا دبغ معرب .




                                                                                                          الخدمات العلمية