الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قال رب اجعل لي آية أي : علامة تدلني على تحقق المسؤول ووقوع الخبر ، وكان هذا السؤال كما قال الزجاج لتعريف وقت العلوق حيث كانت البشارة مطلقة عن تعيينه وهو أمر خفي لا يوقف عليه لا سيما إذا كانت زوجته ممن انقطع حيضها لكبرها وأراد أن يطلعه الله تعالى ليتلقى تلك النعمة الجليلة بالشكر من حين حدوثها ولا يؤخره إلى أن تظهر ظهورا معتادا ، وقيل : طلب ذلك ليزداد يقينا وطمأنينة كما طلب إبراهيم عليه السلام كيفية إحياء الموتى لذلك والأول أولى ، وبالجملة لم يطلبه لتوقف منه في صدق الوعد ولا لتوهم أن ذلك من عند غير الله تعالى ، ورواية هذا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا تصبح لعصمة الأنبياء عليهم السلام عن مثل ذلك، وذكر أن هذا السؤال ينبغي أن يكون بعد ما مضى بعد البشارة برهة من الزمان لما روي أن يحيى كان أكبر من عيسى عليهما السلام بستة أشهر أو بثلاث سنين ولا ريب في أن دعاءه عليه السلام كان في صغر مريم لقوله تعالى هنالك دعا زكريا ربه وهي إنما ولدت عيسى عليه السلام وهي بنت عشر سنين أو بنت ثلاث عشرة سنة ، والجعل إبداعي واللام متعلقة به ، والتقديم على (آية) الذي هو المفعول لما تقدم مرارا أو بمحذوف وقع حالا من (آية) وقيل : بمعنى التصيير المستدعي لمفعولين أولهما (آية) وثانيهما الظرف وتقديمه لأنه لا مسوغ لكون (آية) مبتدأ عند انحلال الجملة إلى مبتدأ وخبر سوى تقديم الظرف فلا يتغير حالهما بعد ورود الناسخ .

                                                                                                                                                                                                                                      قال آيتك ألا تكلم الناس أن لا تقدر على تكليمهم بكلامهم المعروف في محاوراتهم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 71 ] روي عن أبي زيد أنه لما حملت زوجته عليه السلام أصبح لا يستطيع أن يكلم أحدا وهو مع ذلك يقرأ التوراة فإذا أراد مناداة أحد لم يطقها ثلاث ليال مع أيامهن للتصريح بالأيام في سورة آل عمران، والقصة واحدة ، والعرب تتجوز أو تكتفي بأحدهما عن الآخر كما ذكره السيرافي ، والنكتة في الاكتفاء بالليالي هنا وبالأيام ثمة على ما قيل أن هذه السورة مكية سابقة النزول وتلك مدنية والليالي عندهم سابقة على الأيام لأن شهورهم وسنيهم قمرية إنما تعرف (بالأهلة) ولذلك اعتبروها في التاريخ كما ذكره النحاة فأعطى السابق للسابق ، والليال جمع ليل على غير قياس كأهل وأهال أو جمع ليلاة ويجمع أيضا على ليايل .

                                                                                                                                                                                                                                      (سويا) حال من فاعل (تكلم) مفيد لكون انتفاء التكلم بطريق الإعجاز وخرق العادة لا لاعتقال اللسان بمرض أي يتعذر عليك تكليمهم ولا تطيقه حال كونك سوي الخلق سليم الجوارح ما بك شائبة بكم ولا خرس وهذا ما عليه الجمهور ، وعن ابن عباس أن (سويا) عائد على الليالي أي كاملات مستويات فيكون صفة لثلاث . وقرأ ابن أبي عبلة وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما ( أن لا تكلم ) بالرفع على أن أن المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن أي إنه لا تكلم

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية