الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة إحدى وسبعين وخمسمائة

فمن الحوادث فيها:

أنه تقدم إلي بالجلوس تحت المنظرة الشريفة بباب بدر فتكلمت بكرة الخميس ثالث المحرم والخليفة حاضر وكان يوما مشهودا ثم [تقدم إلي بالجلوس هنالك] يوم عاشوراء فأقبل الناس إلى المجلس من نصف الليل وكان الزحام شديدا زائدا على الحد [ووقف من الناس على الطرقات ما لا يحصى] وحضر أمير المؤمنين وفقه الله .

وفي صفر: قبض على أستاذ الدار [صندل] وعلى خادمين [معه وحبسوا] وأرجف الناس أنهم كانوا قد تحالفوا على سوء ثم ضيق [بعد ذلك] على الأمير أبي العباس ولد أمير المؤمنين [المستضيء بأمر الله] وولي ابن الصاحب حاجب الباب [مكان أستاذ الدار] وولي ابن الناقد حجبة الباب . [ ص: 219 ]

[وبني كشك في البلد لأمير المؤمنين ناحية جامع السلطان] وجاء [في ليلة الأحد] ثامن ربيع الآخر مطر عظيم [برعد شديد] ووقعت صاعقة في دار الخلافة وراء التاج وأحرقت [ما حولها فأصبحوا] فأخرجوا أهل الحبوس وأكثروا الصدقات وكانت ابنتي [رابعة] قد خطبت [فسأل الزوج أن يكون العقد بباب الحجرة وحضر قاضي القضاة ونقيب النقباء وجماعة من الشهود والخدم والأكابر] فزوجت [ابنتي] بأبي الفتح ابن الرشيد [الطبري] وتزوج حينئذ ولدي أبو القاسم بابنة الوزير يحيى بن هبيرة [وكان الخاطب ابن المهتدي] . وتقدم إلي بالجلوس ليلة رجب تحت المنظرة [فاجتمع الناس] فجاء مطر فمنع الحضور فتقدم بالجلوس في اليوم الثاني فتكلمت وأمير المؤمنين حاضر وأمرنا بالبكور إلى دعوة أمير المؤمنين فحضرنا [بكرة السبت وحضر الوزير ابن رئيس الرؤساء] وأرباب [الدولة والعلماء والمتصوفة فأكلوا وأنشد ابن شبيب قصيدة يمدح فيها أمير المؤمنين وخرج قاضي القضاة وأرباب الدولة بعد الأكل وخرجت معهم وبات الباقون مع المتصوفة على سماع الإنشاد وفرق على الجماعة مال وخلع وكان هذا [ ص: 220 ] رسمهم في كل رجب وكانت العادة أن لا يدخل أحد الدار بطيلسان ولا طرحة احتراما لأمير المؤمنين سوى قاضي القضاة فإنه كان يجعل طرحته طيلسانا وكنت إذا تكلمت بباب بدر أصعد المنبر فإذا جلست رفعت الطرحة فوضعتها إلى جانبي فإذا فرغ المجلس أعدتها] وفي يوم الجمعة تاسع رجب: استدعانا صاحب المخزن للمناظرة فحضر فقهاء بغداد ولم يتخلف إلا النادر ودل أبو الخير القزويني في مسألة زكاة الحلي واعترضت عليه ثم جرينا على العادة في الجلوس [بباب بدر ليلة الجمعة] فأسبوع لي وأسبوع للقزويني وكان الزحام عندي أكثر [وبعث إلي بعض الأمراء من أقارب أمير المؤمنين فقال والله ما أحضر أنا ولا أمير المؤمنين غير مجلسك وإنما تلمحنا مجلس غيرك يوما وبعض يوم آخر] . وفي [يوم الجمعة] رابع عشر شعبان: حملت إلي طريفة قد بعثت إلى أمير المؤمنين من قرية قريبة من بغداد [يقال لها الوقت] وهي بقرتان قد ولدتا برأسين ورقبتين وأربع أيدي وبطن واحد وفرج ذكر وفرج أنثى إلا أن لكل واحدة رجلا وقيل إن هذه ولدت حية ثم ماتت .

وفي رمضان: كتب على حائط المدرسة التي وقفتها الجهة وسلمتها إلي بخط القطاع في الآجر "وقفت هذه المدرسة الميمونة الجهة المعظمة الشريفة الرحيمة بدار الرواشني في أيام سيدنا ومولانا الإمام المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين على أصحاب الإمام أحمد بن حنبل وفوضت التدريس بها إلى ناصر السنة أبي الفرج ابن [ ص: 221 ] الجوزي] وما زالت المجالس تحت المنظرة بباب بدر إلى آخر رمضان وكان في آخر رمضان قبل مجلسنا [هناك] بيوم قد انزعج البلد ولبس السلاح فاختلفت الأراجيف فانقشع الأمر أن أمير المؤمنين أصابته صفراء من الصوم فتكلمت تحت المنظرة فسكن البلد فحدثني من يلوذ بخدمة [أمير المؤمنين] قال حضر يومئذ [الإمام] عندك المجلس متحاملا ولولا شدة حبه لك [لما حضر] [لما كان اعتراه من الألم] ، وحدثني صاحب المخزن قال كتبت إلى أمير المؤمنين [في كلام كنت ذكرته] هل وقع ما ذكره فلان بالغرض فكتب [أمير المؤمنين] ما على ما ذكره فلان مزيد .

[وفي بكرة الجمعة سابع عشرين رمضان] كسفت الشمس أول وقت الضحى وبقيت ساعة حتى تجلت . وكان حاجب الباب ابن الناقد يلقب بالقنبر فذكر هذا اللقب من كان يعرفه به فشاع في العوام فصاروا يصيحون به إذا خرج فحفظ بأتراك فلم يجئ من الأمر شيء وخلع عليه قبل العيد بثلاثة أيام فقيل لأمير المؤمنين إن الناس قد عزموا إذا خرج يوم العيد في الموكب أن يرسلوا القنابر بين الناس وهذا يصير الموكب هتكة . فعزله وولى أبا سعد ابن المعوج حجبة الباب]

[ ص: 222 ]

وكان الرفض في هذه الأيام قد كثر فكتب صاحب المخزن إلى أمير المؤمنين أن لم تقو يدي ابن الجوزي لم تطق على دفع البدع فكتب أمير المؤمنين بتقوية يدي فأخبرت الناس بذلك على المنبر وقلت إن أمير المؤمنين [صلوات الله عليه] قد بلغه كثرة الرفض وقد خرج توقيعه بتقوية يدي في إزالة البدع فمن سمعتموه من العوام يتنقص بالصحابة فأخبروني حتى أنقض داره وأخلده الحبس وإن كان من الوعاظ حدرته المشان . فانكف الناس ثم [تقدم في يوم الخميس] عاشر شوال بمنع الوعاظ كلهم إلا ثلاثة كل واحد من مذهب أنا من الحنابلة والقزويني من الشافعية وصهر العبادي من الحنفية ثم سئل في ابن عبد القادر فأطلق .

وعقدت الولاية على مكة لأمير المؤمنين فخرج الحاج على خوف شديد من القتال .

وفي يوم السبت رابع ذي القعدة: وقت الضحى خرج أمير المؤمنين إلى الكشك [الذي عمل له خارج السور] وخرج أرباب الدولة مشاة وخرج الناس [ينظرون إليه] ويدعون له [فدخل الكشك] فأقام فيه ساعة ثم خرج فمضى نحو القورج ثم عاد فدخل من باب النصر وقت الظهر .

وفي يوم الجمعة غرة ذي الحجة: خلع على ظهير الدين أبي بكر بن نصر ابن العطار بباب الحجرة خلعة سنية وأعطي مركبا وسيفا وولي المخزن ولاية تامة وخلع يومئذ على أستاذ الدار ابن الصاحب] . [ ص: 223 ]

[وفي يوم الأربعاء سادس ذي الحجة] صنع الوزير ابن رئيس الرؤساء دعوة وجمع فيها أرباب المناصب وحضر الخليفة [فاستدعيت فخلعت علي خلعة] ونصب لي منبر في الدار فتكلمت [بعد أن أكلوا الطعام] والخليفة حاضر [والوزير] وجميع أرباب المناصب وجميع علماء بغداد والفقهاء والوعاظ إلا النادر وخلع علي خلعة ثم تكلمت يوم عرفة وكان مجلسا عظيما تاب فيه خلق كثير وقطعت شعورا كثيرة وكان الخليفة حاضرا .

وفي يوم عيد الأضحى: وقعت فتنة في أخذ جمال البحريين جماعة من العوام فنصر بعضهم أمير يقال له سنقر الصغير فرماه العوام بالآجر فضربهم هو وأصحابه بالنشاب ثم أصبحوا [يوم فرح ساعة فأقاموا الحرب وكان الذين خاصموه أهل باب الأزج فكان أصحابه يخاصمونهم] فقامت [يومئذ] الفتنة [عامة النهار] ومات بين الفريقين [نحو] عشرة أنفس ونهب من باب الأزج قطعة ثم سكنت الثائرة وأخرج أمير المؤمنين مالا ففرقه على من نهب له شيء .

وخرج في أواخر ذي الحجة: عسكر كثير إلى بني خفاجة [لمحاربتهم] فرحلوا فلم يدركوهم [وقتل من المطاردين قوم] وجاءت أخبار ظريفة عما جرى للحاج [في [ ص: 224 ] طريقهم] فمنها أنهم خرجوا من عرفات فلم يبيتوا بالمزدلفة وإنما مروا بها ولم يقدروا على رمي الجمار وخرجوا إلى الأبطح فبكروا يوم العيد وقد خرج إليهم قوم من مكة يحاربونهم فتطاردوا وقتل من الفريقين جماعة ثم آل الأمر إلى أن صيح في الناس الغزاة إلى مكة فهجموا وصعد أمير مكة المعزول إلى القلعة التي على جبل أبي قبيس ثم نزل عنها وخرج من مكة ودخل الناس فقصد قوم لا خلاق لهم النهب فأخذوا شيئا كثيرا من أموال التجار المقيمين بمكة وأحرقوا آدرا كثيرة بمكة ، وحدثني بعض التجار أن رجلا كان زراقا بالنفط ضرب دار رجل بقارورة فاشتعلت وكانت تلك الدار لأيتام يستغلونها كل سنة إذا جاء الحاج فهلكت وما فيها ثم أخرج قارورة أخرى فسواها ليضرب بها فجاء حجر فكسرها فعادت عليه فاحترق فبقي ثلاثة أيام بسفح الجبل ورأى بنفسه العجائب ثم مات ، قال وحدثني رجل من السماسرة قال كان عندي مال عظيم لي ولغيري من التجار فدخل على أربعة أنفس فجمعوا الكل فقلت لأحدهم وعرفته يا فلان قد أكلت أنا وأنت الطعام وهذا ليس لي وهذه مائة دينار خذها حلالا ودعني فقال اسكت قد أخذنا علينا بالدين قبل أن نجيء إليكم لنقضي من أموالكم فجمع الأربعة أربع كوارير فيها جميع المال وخرجوا عني خطوات فلقيهم عبيد من مكة فضربوا أعناقهم فقمت ونقلت المال فتعبت في نقله ولم يذهب منه شيء ثم إن أمير مكة قال لا أتجاسر أن أقيم بعد الحاج فأمروا غيره ورحلوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية