الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما قال (تعالى): فتعالى الله الملك الحق الفاء للإفصاح عن شرط مقدر؛ تقديره: إذا كان قد أنزل القرآن؛ وصرف من الوعيد ليتقي من يتقي؛ ولينذر من لم يتعظ؛ فإن هذا يدل على علوه وكمال حكمته؛ "تعالى "؛ معناها: بلغ في العلو أعلاه؛ وقد (تعالى) في ذاته وصفاته؛ فليس كمثله شيء؛ وهو منزه عن الحوادث؛ ومتصف بصفات الجلال والكمال؛ وهو الملك النافذ الأمر في خلقه؛ والمبدع لهذا الوجود [ ص: 4795 ] الذي لا سلطان لأحد سواه؛ وكل سلطان لأحد في الأرض مضطرب؛ ينتهي إلى زوال؛ ومحاسب عما يفعل؛ ومجزي على عمله؛ وتدبيره؛ وفكره العملي؛ فالله هو الملك الحق؛ الثابت؛ الذي لا يكون فوقه أحد؛ وهو العدل الذي يقدر كل شيء حق قدره؛ هذا هو الله؛ خالق السماوات والأرض؛ وما بينهما؛ وهو الذي يملك ميزان هذا الوجود: إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ؛ ولقد ذكر - سبحانه - نزول القرآن؛ فقال - عز من قائل -: ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يساوق الأمين جبريل في قراءته؛ عندما يوحي إليه بالقرآن؛ فنهاه الله (تعالى) عن ذلك؛ وقال هذا النص السامي له؛ تعليما عند تلقي القرآن الكريم؛ وقوله (تعالى): من قبل أن يقضى إليك وحيه أي: من قبل أن ينتهي وحيه إليك؛ ويحكم بترتيله؛ وتلاوته؛ حتى ينقله إلى أمته مرتلا؛ فيتوارثوه مرتلا؛ وذلك كقوله (تعالى) - في سورة القيامة -: لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه ؛ وقراءته الثانية معناها: تلاوته وترتيله؛ كما قال (تعالى): ورتل القرآن ترتيلا ؛ وكما قال (تعالى): وقال الذين كفروا لولا نـزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا

                                                          هذا تعليم من الله (تعالى) لنبيه في أمر يتعلق بمعجزته الكبرى؛ ليتحقق حفظ الله (تعالى)؛ كما وعد؛ إنا نحن نـزلنا الذكر وإنا له لحافظون ؛ وقد نبه - سبحانه - نبيه إلى ذلك العلم؛ وأمره بأن يطلب الزيادة في العلم; لأن كمال الإنسان في العلم؛ وطلب الزيادة فيه؛ فقال: وقل رب زدني علما الأمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يطلب الزيادة في العلم بالضراعة إليه - سبحانه -؛ وبالسعي في طلبه؛ قال الزمخشري في هذا المقام: "هذا الأمر متضمن للتواضع لله (تعالى)؛ والشكر له؛ عندما علم من ترتيب [ ص: 4796 ] التعلم؛ أي: علمتني يا رب لطيفة في باب التعلم؛ وأدبا جميلا ما كان عندي؛ فزدني علما إلى علم؛ فإن لك في كل شيء حكمة وعلما؛ وقيل: ما أمر الله (تعالى) رسوله بطلب الزيادة في شيء إلا في العلم.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية