الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وقال رجل مؤمن . الآية . أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس : وقال رجل مؤمن من آل فرعون . قال : لم يكن في آل فرعون مؤمن غيره، وغير امرأة فرعون، وغير المؤمن الذي أنذر موسى، الذي قال : إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك [القصص : 20] قال ابن المنذر : وأخبرت أن اسمه حزقيل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن أبي إسحاق قال : كان اسم الرجل الذي آمن من آل فرعون حبيب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري، وابن المنذر ، وابن مردويه، من طريق عروة قال : قلت [ ص: 36 ] لعبد الله بن عمرو بن العاصي : أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة، والحكيم الترمذي، وابن مردويه، والبيهقي في "الدلائل" عن عمرو بن العاص قال : ما تنول من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء كان أشد من أن طاف بالبيت ضحى، فلقوه حين فرغ فأخذوا بمجامع ردائه، وقالوا : أنت الذي تنهانا عما كان يعبد آباؤنا؟ قال : أنا ذاك، فقام أبو بكر فالتزمه من ورائه، ثم قال : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب رافعا صوته بذلك، وعيناه تسبحان حتى أرسلوه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال : قد ضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى غشي عليه، فقام أبو بكر فجعل ينادي : ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله [ ص: 37 ] قالوا : من هذا؟ قال : هذا ابن أبي قحافة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحكيم الترمذي، وابن مردويه، من حديث أسماء بنت أبي بكر، نحوه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البزار، وأبو نعيم في "فضائل الصحابة" عن علي، أنه قال : أيها الناس أخبروني بأشجع الناس . قالوا : أنت . قال : أما إني ما بارزت أحدا إلا انتصفت منه، ولكن أخبروني بأشجع الناس . قالوا : لا نعلم، فمن؟ قال : أبو بكر، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذته قريش، فهذا يجأه، وهذا يتلتله، وهم يقولون : أنت الذي جعلت الآلهة إلها واحدا؟ قال : فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر، يضرب هذا، ويجأ هذا، ويتلتل هذا، وهو يقول : ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ! ثم رفع علي رضي عنه بردة كانت عليه، فبكى حتى اخضلت لحيته، ثم قال : أنشدكم بالله، أمؤمن آل فرعون خير أم [ ص: 38 ] أبو بكر؟ فسكت القوم، فقال : ألا تجيبوني، فوالله لساعة من أبي بكر خير من مثل مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه، وهذا رجل أعلن إيمانه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية