الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          نسيان آدم وعزمه

                                                          ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى

                                                          هذا وصف الله للطبيعة الإنسانية؛ أنها تنسى؛ وأنها إذا لم تذكر بشرع من الله يقوي الإرادة برجاء الثواب؛ وخوف العقاب؛ لا تكون للإنسان عزيمة؛ وآدم أبو [ ص: 4797 ] البشرية؛ في هذا الوقت الذي نسب الله (تعالى) إليه أنه نسي؛ ولم يجد له عزما؛ كان وهو على الفطرة الأولى التي لم يكن فيها شرائع مدونة قد جاء بها رسل؛ ولم يكن قد تسلط عليه إبليس اللعين؛ وتسلط على ذريته؛ وكل هذا التسلط منه على ذرية آدم بعد أن هبط من الجنة إلى الأرض؛ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل أي: من قبل الشرائع والرسل؛ أي: من قبل أن يقع؛ والمعنى: عهد الله (تعالى) لآدم قبل أن يوسوس إليه الشيطان؛ وهذا العهد هو أمر الله؛ وتكليفه؛ وإن لم يكن في دار تكليف؛ وكل أمر من الله (تعالى) هو عهد بين العبد وربه؛ وذلك العهد هو قوله (تعالى): وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ؛ ولقد بين الله (تعالى) أن ذلك عهد مؤكد؛ وقد أكده - سبحانه - باللام؛ وبـ "قد "؛ وبإضافة العهد إليه - سبحانه وتعالى -؛ وأنه وثق على آدم أشد توثيق؛ ولقد ذكر - سبحانه وتعالى - وصفين لآدم؛ أحدهما إيجابي؛ والثاني سلبي؛ أما الأول فهو النسيان؛ فقد قال: "فنسي "؛ الفاء للعطف؛ و "نسي "؛ منصبة على العهد؛ أي: فنسي العهد؛ ووقع في المحظور الذي حذره منه؛ وليس ذلك ما يكون غضاضة على آدم؛ لأن الله (تعالى) يصف الطبع الإنساني؛ وأنه يعرض له النسيان؛ وتعرض له الغفلة؛ وما يقع فيما ينهى عنه إلا وهو ناس غافل؛ الأمر الثاني؛ وهو السلبي؛ ذكره - سبحانه وتعالى - بقوله: ولم نجد له عزما أي: عزيمة صادقة تحزم أموره؛ وتقطعها؛ وعبر - سبحانه - بهذا القول: "ولم نجد له عزما "؛ في الأمر الواقع؛ والله (تعالى) يعلم به من قبل أن يقع؛ فقد قدر الله (تعالى) كل ذلك؛ وعلم ما وقع قبل وقوعه؛ فكيف يقول: "ولم نجد له عزما "؛ وهو الذي خلقه؛ وصوره؛ وقدره؛ ونقول: إنه وجده واقعا؛ وهو يعلم علما أزليا؛ لأنه هو الذي خلق؛ وصور.

                                                          وإن إبليس وذريته يجيئون إلى ذرية آدم من نسيانهم؛ وغفلتهم؛ ونقص عزيمتهم؛ كما جاء إبليس اللعين إلى أبي الإنسانية من جهة نسيانه؛ وأنه لم يكن له عزم مانع؛ فليحذر الناس بعد أن جاءتهم الشرائع من وسوسة إبليس وذريته. [ ص: 4798 ] ولقد ابتدأ الله - سبحانه وتعالى - جزءا من قصة آدم؛ يصور كيف بدت عداوة إبليس؛ ونسيها آدم؛

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية