الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (99) قوله : حتى إذا : في "حتى" هذه أوجه، أحدها: أنها غاية لقوله: "بما يصفون". والثاني: أنها غاية لـ "كاذبون". وبين هذين الوجهين قول الزمخشري: "حتى تتعلق بـ "يصفون" أي: لا يزالون على سوء الذكر إلى هذا الوقت، والآية فاصلة بينهما على وجه الاعتراض والتأكيد". ثم قال: "أو على قوله: " وإنهم لكاذبون " . قلت: قوله: "أو على قوله كذا" كلام محمول على المعنى إذ التقدير "حتى" معلقة على "يصفون" أو على قوله: "لكاذبون" . وفي الجملة فعبارة مشكلة.

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث: قال ابن عطية: "حتى" في هذه المواضع حرف ابتداء. ويحتمل أن تكون غاية مجردة بتقدير كلام محذوف. والأول أبين; لأن ما بعدها هو المعني به المقصود ذكره". قال الشيخ: "فتوهم ابن عطية أن "حتى" إذا كانت حرف ابتداء لا تكون غاية، وهي وإن كانت [659/ب] حرف ابتداء، فالغاية معنى لا يفارقها، ولم يبين الكلام المحذوف المقدر". وقال أبو البقاء: "حتى" غاية في معنى العطف". وقال الشيخ: "والذي يظهر لي أن قبلها جملة محذوفة تكون "حتى" غاية لها يدل عليها ما قبلها. التقدير: فلا أكون كالكفار الذين تهمزهم الشياطين ويحضرونهم، حتى إذا جاء. ونظير [ ص: 366 ] حذفها قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      3424 - فيا عجبا حتى كليب تسبني . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                                      أي: يسبني الناس كلهم حتى كليب. إلا أن في البيت دل ما بعدها عليها بخلاف الآية الكريمة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "رب ارجعون" في قوله: "ارجعون" بخطاب الجمع ثلاثة أوجه، أجودها: أنه على سبيل التعظيم كقول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      3425 - فإن شئت حرمت النساء سواكم     وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا



                                                                                                                                                                                                                                      وقال آخر:


                                                                                                                                                                                                                                      2326 - ألا فارحموني يا إله محمد      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                                      قد يؤخذ من هذا البيت ما يرد على الشيخ جمال الدين بن مالك حيث قال: "إنه لم يعلم أحدا أجاز للداعي يقول: يا رحيمون". قال: "لئلا يوهم خلاف التوحيد". وقد أخبر تعالى عن نفسه بهذه الصيغة وشبهها للتعظيم في غير موضع من كتابه الكريم.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: أنه نادى ربه، ثم خاطب ملائكة ربه بقوله: "ارجعون" ويجوز على هذا الوجه أن يكون على حذف مضاف أي: يا ملائكة ربي، فحذف [ ص: 367 ] المضاف ثم التفت إليه عود الضمير كقوله: "وكم من قرية أهلكناها" ثم قال: "أو هم قائلون" التفاتا لـ "أهل" المحذوف.

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث: أن ذلك يدل على تكرير الفعل، كأنه قال: ارجعون ارجعون ارجعون. نقله أبو البقاء. وهو يشبه ما قالوه في قوله: "ألقيا في جهنم" أنه بمعنى: ألق ألق ثني الفعل للدلالة على ذلك، وأنشدوا قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3427 - قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                                      أي: قف قف.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية