الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 901 ] [ 31 ] باب صلاة الليل

الفصل الأول

1188 - عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة ، يسلم من كل ركعتين ، ويوتر بواحدة ، فيسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه . فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر ، وتبين له الفجر ، قام فركع ركعتين خفيفتين ، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة ، فيخرج . متفق عليه .

التالي السابق


[ 31 ] باب صلاة الليل

أي في قيام الليل من التهجد وغيره .

الفصل الأول

1188 - ( عن عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ) ، أي : غالبا ( فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر ) : وهو بظاهره يشمل ما إذا كان بعد نوم أم لا . ( إحدى عشرة ) : بسكون الشين وتكسر ( ركعة ، يسلم من كل ركعتين ) ويؤيده صلاة الليل مثنى . ( ويوتر بواحدة ) ، أي : مضمومة إلى الشفع الذي قبلها كما قاله ابن الملك ، وقال ابن حجر : فيه أن أقل الوتر ركعة فردة ، والتسليم من كل ركعتين ، وبهما قال الأئمة الثلاثة . ( فيسجد السجدة من ذلك ) : قال البيضاوي : في الحديث دليل على أنه يجوز أن يتقرب إلى الله تعالى بسجدة فردة لغير التلاوة والشكر ، قال الطيبي : قيل الفاء في ( فيسجد ) داعية إلى هذا ، لكن قوله ( من ذلك ) لا يساعد عليه إلا أن يقال : ( من ) ابتدائية متصلة بالفعل ، أي : فيسجد السجدة من جهة ما صدر عنه ذلك المذكور ، فيكون حينئذ سجدة شكر ، والظاهر أن الفاء لتفصيل المجمل يعني فيسجد كل واحدة من سجدات تلك الركعات طويلة . ( قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية ) . اهـ .

ونسبة ابن حجر كلام الشارح إلى نفسه ، وقول القاضي إلى الشارح والطعن فيه غير صحيح كما هو صريح ، وقال بعض علمائنا من الشراح : قد اختلف الآراء في جواز السجدة المنفردة من غير تلاوة وشكر ، والأصح أنه حرام كالتقرب بركوع مفرد ونحوه ، والثاني يجوز ، قاله صاحب التقريب ، وذكر صاحب الروضة : سواء في هذا الخلاف في تحريم السجدة ما يفعل بين صلاة وغيرها ، وليس هذا ما يفعل كثيرون من الجهلة السجدة بين يدي المشايخ ، فإن ذلك حرام قطعا بكل حال ، سواء كانت إلى القبلة أو إلى غيرها ، وسواء قصد السجود لله تعالى ، أو غفل عنه ، و ( من ) في ( من ذلك ) للتبعيض ، والفاء للتفريع ، ومعناه قد كان بعض سجداته طويلا بقدر ما يقرأ أحد خمسين آية ( قبل أن يرفع رأسه ) ، أي : ولم يرفع رأسه بعد ، ( فإذا سكت ) : بالتاء ، وفي نسخة صحيحة بالباء ( المؤذن ) ، أي : فرغ ، قال العسقلاني : هكذا في الروايات المعتمدة بالمثناة الفوقانية ، وروي : ( سكب ) بالموحدة ، ومعناه صب الأذان ، والرواية المذكورة لم تثبت في شيء من الطرق ، وإنما ذكر الخطابي من طريق الأوزاعي عن الزهري ، وقال ميرك نقلا عن التصحيح : يجوز فيه التاء المثناة من فوق وهو واضح ، ولكن قيدوه بالباء الموحدة ، كذا في الفائق للزمخشري ، والنهاية للجزري ، وقالا : أرادت عائشة إذا أذن فاستعارت السكب للإفاضة في الكلام ، كما يقال : أفرغ في أذني حديثا ، أي : ألقى وصب ، وقال في الفائق : كما يقال هضب في الحديث ، وأخذ في الخطة ، وكذا صرح به الهروي في الغريبين ( من صلاة الفجر ) ، أي : من أذانها ( وتبين له الفجر ) .

قال الطيبي : يدل على أن التبين لم يكن في الأذان ، وإلا لما كان لذلك التبين فائدة ، قلت : الظاهر أن المراد بالتبين الإسفار ، فيفيد أن الإسفار مستحب حتى في حق السنة ، ثم رأيت ابن حجر ذكر نظير ما ذكرته ، ثم قال : وأفاد الحديث ندب التغليس بالأذان ، وحكمته اتساع الوقت ليتم تهيؤ الناس للدخول في الصلاة ، ثم قال : وقول الشارح مشكل ، كأنه أراد بالإشكال وقوع الأذان قبل وقته ، وهو لا يفهم من كلامه ، بل المراد أن الأذان في الغلس ، والسنة بعد التبين الكلي ، ثم قال : ويرد قول من سلم له ذلك ، ثم أجاب عنه بأن ( سكت ) ليس بالفوقية بل بالموحدة . اهـ . وهو غير صحيح ، وبيانه في كلامنا صريح ( قام فركع ركعتين ) : هما سنة الفجر ( خفيفتين ) : يقرأ فيهما ( الكافرون والإخلاص ) ( ثم اضطجع على شقه الأيمن ) ، أي : للاستراحة عن تعب قيام الليل ليصلي فرضه على نشاط ، كذا قال ابن الملك وغيره ، وقال النووي : يستحب الاضطجاع بعد ركعتي الفجر . اهـ .

وأما القول بأنه للفصل بين الفرض والسنة ، فلا وجه ; لأنه كان يصلي السنة في البيت والفرض في المسجد ، وسيأتي لهذا مزيد بحث . ( حتى يأتيه المؤذن للإقامة ) ، أي : يستأذنه فيها ; لأنها منوطة بنظر الإمام ( فيخرج ) ، أي : للصلاة ( متفق عليه ) ، أي : بمجموع الحديث ، وإن لم يكن بهذا السياق في حديث واحد ، كذا نقله ميرك عن التصحيح .

[ ص: 902 ]



الخدمات العلمية