الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              كتاب أبواب النفقات لذوات العدد من الطلاق والوفاة

                                                                                                                                                                              أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للمطلقة التي يملك زوجها رجعتها السكنى، والنفقة .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في وجوب السكنى والنفقة للمطلقة ثلاثا إذا لم تكن حبلى .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: لا سكنى لها ولا نفقة. روي هذا القول عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                              وكذلك قال عكرمة، والحسن، والشعبي . وقال عطاء، والزهري، وعروة: لا نفقة لها. وهذا قول أحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبي ثور، وحجتهم حديث فاطمة بنت قيس أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فجعل [لها] السكنى والنفقة، فقيل له: إنه طلقها ثلاثا. قال: "لا سكنى لك، ولا نفقة"، وأمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لها السكنى والنفقة، حاملا كانت أو غير حامل. هكذا [ ص: 514 ] قال سفيان الثوري وأصحاب الرأي، وروي هذا القول عن عمر، وعبد الله وبه قال شريح .

                                                                                                                                                                              واختلف في هذه المسألة عن إبراهيم النخعي، فأشهر الروايتين عنه موافقة هذا القول، وروي عنه أنه كان يقول: المطلق ثلاثا لا يجبر على النفقة .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: وهو أن لها السكنى، ولا نفقة لها. هذا قول مالك بن أنس، وابن أبي ليلى، والشافعي، وأبو عبيد، وكذلك قال سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والحسن البصري، وعطاء، والشعبي، وعبد الرحمن بن مهدي . [ ص: 515 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: أما الفرقة الأولى فقد ذكرنا ما احتجت به .

                                                                                                                                                                              واحتجت الفرقة الثانية بقول عمر بن الخطاب : لا ندع كتاب ربنا عز وجل وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لا ندري لعلها نسيت أو شبه عليها، وقد كان أحمد بن حنبل ينكر حديث عمر، ويقول: لا يصح حديثه .

                                                                                                                                                                              واحتجت الفرقة الثالثة بظاهر كتاب الله في إيجابه السكنى لهن، وإبطال النفقة عنه، قال الله - تبارك وتعالى - : ( أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ) قالت: فعم بالسكن المطلقات كلهن وخص أولات [ ص: 516 ] الأحمال خاصة بالنفقة، فكان في إيجابه النفقة لمن بها حمل دليل على أن لا نفقة لمن لا حمل لها، واحتجوا بحديث فاطمة بنت قيس:.

                                                                                                                                                                              7781 - أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا مالك، عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن فاطمة بنت قيس: أن أبا عمرو بن حفص طلق البتة، وهو غائب بالشام، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال: والله ما لك علينا شيء فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: "ليس لك عليه نفقة"، وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: "تلك امرأة يغشاها أصحابي فاعتدي في بيت ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك ....

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية