الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 160 ] 237 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : { لا يقتل قرشي بعد اليوم صبرا }

1507 - حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، قال : حدثني أبي ، عن الشعبي ، قال : قال عبد الله بن مطيع : سمعت مطيعا يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة يقول : { لا يقتل قرشي صبرا بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة } .

1508 - حدثنا أحمد ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادي ، قال : حدثنا محمد بن منصور الطوسي ، قال : حدثنا يعقوب - يعني : ابن إبراهيم بن سعد - قال : حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، قال : حدثني شعبة ، عن عبد الله بن أبي السفر ، عن الشعبي ، عن عبد الله بن مطيع بن الأسود ، عن أبيه - وكان اسمه العاصي فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيعا - قال : [ ص: 161 ] سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر بقتل هؤلاء الرهط بمكة يقول : { لا تغزى مكة بعد هذا العام أبدا ولا يقتل رجل من قريش صبرا بعد العام } .

قال أبو جعفر : فكان هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يذكر لنا فيه من روى لنا هذا الحديث لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم به معربا ، وذلك مما يقع فيه الإشكال ؛ لأنه إن كان لا يقتل بالحرم كان ذلك على الأمر ، وفي ذلك خلاف لأحكام الله عز وجل المذكورة في غير هذا الحديث ؛ لأن أحكام الله عز وجل أن القرشي يقتل قودا إذا قتل عمدا ، وأنه يرجم إذا زنى محصنا ، وحاش لله عز وجل أن يكون لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك الحرف يخرج من هذه الأحكام ، ولكنه عندنا - والله أعلم - لا يقتل مرفوعا ، فيكون ذلك على الخبر كمثل ما قد ذكرناه في ما تقدم منا في كتابنا هذا ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : { لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين } ، وأتينا في ذلك بما يوجب أنه على الخبر لا على الأمر ، فغنينا بذلك عن إعادته هاهنا .

[ ص: 162 ] فقال قائل : فقد رأينا من لا يحصى عدده من قريش قد قتلوا في الإسلام صبرا ، ونحن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خلف لقوله .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه ، أن مراده صلى الله عليه وسلم بقوله : { لا يقتل قرشي بعد العام صبرا } ، إنما هو أنه لا يقتل بعد ذلك العام قرشي صبرا على ما أباح من قتل الأربعة القرشيين المذكورين في حديث سعد عليه عامئذ ؛ لأنه كان قتلا على محاربة ، قتل من قتل منهم فيها على الكفر ، وذلك بحمد الله ، لم يكن من عامئذ في قرشي بعد ذلك العام عاد كافرا محاربا لله ورسوله في دار كفر إلى يومنا هذا ، ولا يكون ذلك إلى يوم القيامة ؛ لأن الله عز وجل لا يخلف وعده رسله .

ومما قد دل على ما قلنا من ذلك ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير هذا الحديث في مكة .

1509 - كما قد حدثنا روح بن الفرج ، قال : حدثنا حامد بن يحيى ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن الشعبي ، عن الحارث بن البرصاء ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم فتح مكة : { لا تغزى مكة بعد هذا اليوم أبدا } . قال سفيان : تفسيره [ ص: 163 ] أنهم لا يكفرون أبدا ، ولا يغزون على الكفر .

قال أبو جعفر : وكذلك معنى لا يقتل قرشي بعد العام صبرا إنما يراد به هذا المعنى أنهم لا يعودون كفارا يغزون حتى يقتلوا على الكفر ، كما لا تعود مكة دار كفر تغزى عليه وبالله عز وجل التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية