الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال أبو بكر : جميع ما قدمنا من ذكر أقاويل السلف؛ وفقهاء الأمصار؛ واعتبار كل واحد منهم في الشهادة ما حكينا عنه؛ يدل على أن كلا منهم بنى قبول أمر الشهادة على ما غلب في اجتهاده؛ واستولى على رأيه أنه ممن يرضى؛ ويؤتمن عليها؛ وقد اختلفوا في حكم من لم تظهر منه ريبة هل يسأل عنه الحاكم إذا شهد ؛ فروي عن عمر بن الخطاب - في كتابه الذي كتبه إلى أبي موسى ؛ في القضاء -: "المسلمون عدول؛ بعضهم على بعض؛ إلا مجلودا في حد؛ أو مجربا عليه شهادة زور؛ أو ظنينا في ولاء أو قرابة"؛ وقال منصور : قلت لإبراهيم: وما العدل في المسلمين؟ "قال: من لم تظهر منه ريبة"؛ وعن الحسن البصري ؛ والشعبي ؛ مثله؛ وذكر معمر عن أبيه قال: لما ولي الحسن القضاء كان يجيز شهادة المسلمين؛ إلا أن يكون الخصم يجرح الشاهد؛ وذكر هشيم قال: سمعت ابن شبرمة يقول: "ثلاث لم يعمل بهن أحد قبلي؛ ولن يتركهن أحد بعدي: المسألة عن الشهود؛ وإثبات حجج الخصمين؛ وتحلية الشهود في المسألة"؛ وقال أبو حنيفة : "لا أسأل عن الشهود إلا أن يطعن فيهم الخصم المشهود عليه؛ فإن طعن فيهم سألت عنهم في السر والعلانية؛ وزكيتهم في العلانية؛ إلا شهود الحدود؛ والقصاص؛ فإني أسأل عنهم في [ ص: 238 ] السر؛ وأزكيهم في العلانية"؛ وقال محمد: "يسأل عنهم؛ وإن لم يطعن فيهم".

وروى يوسف بن موسى القطان؛ عن علي بن عاصم ؛ عن ابن شبرمة قال: "أول من سأل في السر أنا؛ كان الرجل يأتي القوم إذا قيل له: هات من يزكيك؛ فيقول: قومي يزكونني؛ فيستحيي القوم فيزكونه؛ فلما رأيت ذلك سألت في السر؛ فإذا صحت شهادته قلت: هات من يزكيك؛ في العلانية"؛ وقال أبو يوسف؛ ومحمد: "يسأل عنهم في السر والعلانية؛ ويزكيهم في العلانية؛ وإن لم يطعن فيهم الخصم"؛ وقال مالك بن أنس : "لا يقضى بشهادة الشهود حتى يسأل عنهم في السر"؛ وقال الليث : "أدركت الناس ولا تلتمس من الشاهدين تزكية؛ وإنما كان الوالي يقول للخصم: إن كان عندك من يجرح شهادتهم فأت به؛ وإلا أجزنا شهادتهم عليك"؛ وقال الشافعي : "يسأل عنهم في السر؛ فإذا عدل سأل عن تعديله علانية؛ ليعلم أن المعدل هو هذا؛ لا يوافق اسم اسما؛ ولا نسب نسبا".

قال أبو بكر : ومن قال من السلف بتعديل من ظهر إسلامه ؛ فإنما بنى ذلك على ما كانت عليه أحوال الناس من ظهور العدالة في العامة؛ وقلة الفساق فيهم؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد شهد بالخير والصلاح للقرن الأول؛ والثاني؛ والثالث؛ حدثنا عبد الرحمن بن سيما قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا سفيان ؛ عن منصور ؛ عن إبراهيم؛ عن عبيدة؛ عن عبد الله ؛ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "خير الناس قرني؛ ثم الذين يلونهم؛ ثم الذين يلونهم - ثلاثا؛ أو أربعا - ثم يجيء قوم سبق شهادة أحدهم يمينه؛ ويمينه شهادته"؛ قال: وكان أصحابنا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صبيان؛ وإنما حمل السلف ومن قال من فقهاء الأمصار؛ مما وصفنا؛ أمر المسلمين في عصرهم على العدالة؛ وجواز الشهادة؛ لظهور العدالة فيهم؛ وإن كان فيهم صاحب ريبة وفسق كان يظهر النكير عليه ويتبين أمره؛ وأبو حنيفة كان في القرن الثالث الذين شهد لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخير والصلاح؛ فتكلم على ما كانت الحال عليه؛ وأما لو شهد أحوال الناس بعد لقال بقول الآخرين في المسألة عن الشهود؛ ولما حكم لأحد منهم بالعدالة إلا بعد المسألة؛ وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال للأعرابي الذي شهد على رؤية الهلال: "أتشهد أن لا إله إلا الله؛ وأني رسول الله؟"؛ قال: نعم؛ فأمر الناس بالصيام بخبره؛ ولم يسأل عن عدالته بعد ظهور إسلامه؛ لما وصفنا؛ فثبت بما وصفنا أن أمر التعديل؛ وتزكية الشهود؛ وكونهم مرضيين؛ مبني على اجتهاد الرأي؛ وغالب الظن؛ لاستحالة إحاطة علومنا بغيب أمور الناس.

وقد حذرنا الله (تعالى) الاغترار بظاهر حال الإنسان؛ والركون [ ص: 239 ] إلى قوله؛ مما يدعيه لنفسه من الصلاح؛ والأمانة؛ فقال: ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ؛ الآية؛ ثم أخبر عن مغيب أمره؛ وحقيقة حاله؛ فقال: وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ؛ الآية؛ فأعلمنا ذلك من حال بعض من يعجب ظاهر قوله؛ وقال أيضا في صفة قوم آخرين: وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ؛ الآية؛ فحذر نبيه - صلى الله عليه وسلم - الاغترار بظاهر حال الإنسان؛ وأمرنا بالاقتداء به؛ فقال: واتبعوه ؛ وقال: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ؛ فغير جائز - إذا كان الأمر على ما وصفنا - الركون إلى ظاهر أمر الإنسان؛ دون التثبت في شهادته؛ والبحث عن أمره؛ حتى إذا غلب في ظنه عدالته قبلها؛ وقد وصف الله (تعالى) الشهود المقبولين بصفتين؛ إحداهما العدالة؛ في قوله (تعالى): اثنان ذوا عدل منكم ؛ وقوله: وأشهدوا ذوي عدل منكم ؛ والأخرى أن يكونوا مرضيين؛ لقوله: ممن ترضون من الشهداء ؛ والمرضيون لا بد أن تكون من صفتهم العدالة؛ وقد يكون عدلا غير مرضي في الشهادة؛ وهو أن يكون غمرا؛ مغفلا؛ يجوز عليه التزوير والتمويه؛ فقوله: ممن ترضون من الشهداء قد انتظم الأمرين؛ من العدالة؛ والتيقظ؛ وذكاء الفهم؛ وشدة الحفظ؛ وقد أطلق الله (تعالى) ذكر الشهادة في الزنا غير مقيد بذكر العدالة؛ وهي من شرطها العدالة والرضا جميعا؛ وذلك لقوله - عز وجل -: إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ؛ وذلك عموم في إيجاب التثبت في سائر أخبار الفساق؛ والشهادة خبر؛ فوجب التثبت فيها؛ إذا كان الشاهد فاسقا؛ فلما نص الله (تعالى) على التثبت في خبر الفاسق؛ وأوجب علينا قبول شهادة العدول المرضيين؛ وكان الفسق قد يعلم من جهة اليقين؛ والعدالة لا تعلم من جهة اليقين؛ دون ظاهر الحال؛ علمنا أنها مبنية على غالب الظن؛ وما يظهر من صلاح الشاهد؛ وصدق لهجته؛ وأمانته؛ وهذا - وإن كان مبنيا على أكثر الظن - فهو ضرب من العلم؛ كما قال (تعالى) في المهاجرات: فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار ؛ وهذا هو علم الظاهر؛ دون الحقيقة؛ فكذلك الحكم بعدالة الشاهد طريقه العلم الظاهر؛ دون المغيب الذي لا يعلمه إلا الله (تعالى)؛ وهذا أصل كبير في الدلالة على صحة القول باجتهاد الرأي في أحكام الحوادث؛ إذ كانت الشهادات من معالم أمور الدين والدنيا؛ وقد عقد بها مصالح الخلق في وثائقهم؛ وإثبات حقوقهم وأملاكهم؛ وإثبات الأنساب؛ والدماء؛ والفروج؛ وهي مبنية على غالب الظن؛ وأكثر الرأي؛ إذ لا يمكن أحدا من الناس إمضاء حكم بشهادة شهود من طريق حقيقة العلم بصحة المشهود به؛ وهو يدل [ ص: 240 ] على بطلان القول بإمام معصوم في كل زمان ؛ واحتجاج من يحتج فيه بأن أمور الدين كلها ينبغي أن تكون مبنية على ما يوجب العلم الحقيقي؛ دون غالب الظن؛ وأكثر الرأي؛ وأنه متى لم يكن إمام بهذه الصفة لم يؤمن الخطأ فيها; لأن الرأي يخطئ ويصيب; لأنه لو كان كما زعموا لوجب ألا تقبل شهادة الشهود إلا أن يكونوا معصومين؛ مأمونا عليهم الخطأ والزلل؛ فلما أمر الله (تعالى) بقبول شهادة الشهود؛ إذا كانوا مرضيين في ظاهر أحوالهم؛ دون العلم بحقيقة مغيب أمورهم؛ مع جواز الكذب والغلط عليهم؛ ثبت بطلان الأصل الذي بنوا عليه أمر النص؛ فإن قالوا: الإمام يعلم صدق الشهود من كذبهم؛ قيل لهم: فواجب ألا يسمع شهادة الشهود غير الإمام؛ وألا يكون للإمام قاض؛ ولا أمين؛ إلا أن يكون بمنزلته في العصمة؛ وفي العلم بمغيب أمر الشهود؛ ويجب ألا يكون أحد من أعوان الإمام إلا معصوما؛ مأمون الزلل والخطإ؛ لما يتعلق به من أحكام الدين؛ فلما جاز أن يكون للإمام حكام؛ وشهود؛ وأعوان بغير هذه الصفة؛ ثبت بذلك جواز كثير من أمور الدين؛ مبنيا على اجتهاد الرأي؛ وغالب الظن.

وفيما ذكرناه مما تعبدنا الله (تعالى) به في هذه الآية من اعتبار أحوال الشهود بما يغلب في الظن من عدالتهم؛ وصلاحهم؛ دلالة على بطلان قول نفاة القياس والاجتهاد في الأحكام التي لا نصوص فيها؛ ولا إجماع ; لأن الدماء؛ والفروج؛ والأموال؛ والأنساب من الأمور التي قد عقد بها مصالح الدين والدنيا؛ وقد أمر الله (تعالى) فيها بقبول شهادة الشهود الذين لا نعلم مغيب أمورهم؛ وإنما نحكم بشهاداتهم بغالب الظن؛ وظاهر أحوالهم؛ مع تجويز الكذب؛ والخطإ؛ والزلل؛ والسهو عليهم؛ فثبت بذلك تجويز الاجتهاد؛ واستعمال غلبة الرأي فيما لا نص فيه من أحكام الحوادث؛ ولا اتفاق؛ وفيه الدلالة على جواز قبول الأخبار المقصرة عن إيجاب العلم بمخبراتها من أمور الديانات عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -; لأن شهادة الشهود غير موجبة للعلم بصحة المشهود به؛ وقد أمرنا بالحكم بها مع تجويز أن يكون الأمر في المغيب بخلافه؛ فبطل بذلك قول من قال: إنه غير جائز قبول خبر من لا يوجب العلم بخبره في أمور الدين؛ وقد دل أيضا على بطلان قول من يستدل على رد أخبار الآحاد بأنا لو قبلناها لكنا قد جعلنا منزلة المخبر أعلى من منزلة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ لم يجب في الأصل قبول خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بعد ظهور المعجزات الدالة على صدقه; لأن الله (تعالى) قد أمرنا بقبول شهادة الشهود الذين ظاهرهم العدالة؛ وإن لم يكن معها علم معجزة يدل على صدقهم.

وأما ما ذكرنا من اعتبار [ ص: 241 ] نفي التهمة عن الشهادة؛ وإن كان الشاهد عدلا؛ فإن الفقهاء متفقون على بعضها؛ ومختلفون في بعضها؛ فمما اتفق عليه فقهاء الأمصار بطلان شهادة الشاهد لولده؛ إلا شيئا يحكى عن عثمان البتي ؛ قال: "تجوز شهادة الولد لوالديه؛ وشهادة الأب لابنه؛ ولامرأته؛ إذا كانوا عدولا؛ مهذبين؛ معروفين بالفضل"؛ ولا يستوي الناس في ذلك؛ ففرق بينها لوالده؛ وبينها للأجنبي؛ فأما أصحابنا؛ ومالك ؛ والليث ؛ والشافعي ؛ والأوزاعي ؛ فإنهم لا يجيزون شهادة واحد منهما للآخر؛ فقد حدثنا عبد الرحمن بن سيما قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدثنا وكيع ؛ عن سفيان ؛ عن جابر ؛ عن الشعبي ؛ عن شريح قال: "لا تجوز شهادة الابن لأبيه؛ ولا الأب لابنه؛ ولا المرأة لزوجها؛ ولا الزوج لامرأته"؛ وروي عن إياس بن معاوية أنه أجاز شهادة رجل لابنه؛ حدثنا عبد الرحمن بن سيما قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا عفان قال: حدثنا حماد بن زيد قال: حدثنا خالد الحذاء عن إياس بن معاوية بذلك.

والذي يدل على بطلان شهادته لابنه قوله - عز وجل -: ( ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم ) ؛ ولم يذكر بيوت الأبناء; لأن قوله (تعالى): من بيوتكم ؛ قد انتظمها؛ إذ كانت منسوبة إلى الآباء؛ فاكتفى بذكر بيوتهم عن ذكر بيوت أبنائهم؛ وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أنت ومالك لأبيك"؛ فأضاف الملك إليه؛ وقال: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه؛ وإن ولده من كسبه؛ فكلوا من كسب أولادكم"؛ فلما أضاف ملك الابن إلى الأب؛ وأباح أكله له؛ وسماه له كسبا؛ كان المثبت لابنه حقا بشهادته بمنزلة مثبته لنفسه؛ ومعلوم بطلان شهادته لنفسه فكذلك لابنه؛ وإذا ثبت ذلك في الابن كان ذلك حكم شهادة الابن لأبيه؛ إذ لم يفرق أحد بينهما؛ فإن قيل: إذا كان الشاهد عدلا فواجب قبول شهادته لهؤلاء؛ كما نقبلها لأجنبي؛ وإن كانت شهادته لهؤلاء غير مقبولة لأجل التهمة؛ فغير جائز قبولها للأجنبي; لأن من كان متهما في الشهادة لابنه بما ليس بحق له؛ فجائزة عليه مثل هذه التهمة للأجنبي؛ قيل له: ليست التهمة المانعة من قبول شهادته لابنه ولأبيه تهمة فسق؛ ولا كذب؛ وإنما التهمة فيه من قبل أنه يصير فيها بمعنى المدعي لنفسه؛ ألا ترى أن أحدا من الناس؛ وإن ظهرت أمانته؛ وصحت عدالته؛ لا يجوز أن يكون مصدقا فيما يدعيه لنفسه؟ لا على جهة تكذيبه؛ ولكن من جهة أن كل مدع لنفسه فدعواه غير ثابتة؛ إلا ببينة تشهد له بها؛ فالشاهد لابنه بمنزلة المدعي لنفسه؛ لما بينا؛ وكذلك قال أصحابنا: إن كل شاهد يجر بشهادته [ ص: 242 ] إلى نفسه مغنما؛ أو يدفع بها عن نفسه مغرما؛ فغير مقبول الشهادة; لأنه حينئذ يقوم مقام المدعي؛ والمدعي لا يجوز أن يكون شاهدا فيما يدعيه؛ ولا أحد من الناس أصدق من نبي الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ دلت الأعلام المعجزة على أنه لا يقول إلا حقا؛ وإن الكذب غير جائز عليه؛ مع وقوع العلم لنا بمغيب أمره؛ وموافقة باطنه لظاهره؛ ولم يقتصر فيما ادعاه لنفسه على دعواه؛ دون شهادة غيره؛ حين طالبه الخصم بها؛ وهي قصة خزيمة بن ثابت ؛ حدثنا عبد الرحمن بن سيما قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا شعيب؛ عن الزهري قال: حدثنا عمارة بن خزيمة الأنصاري أن عمه حدثه - وهو من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ابتاع فرسا من أعرابي؛ وذكر القصة؛ وقال: فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيدا يشهد أني قد بايعتك؛ فقال خزيمة: أنا أشهد أنك بايعته؛ فأقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - على خزيمة فقال: "بم تشهد؟"؛ فقال: بتصديقك يا رسول الله؛ فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - شهادة خزيمة بشهادة رجلين؛ فلم يقتصر النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعواه على ما تقرر؛ وثبت بالدلائل والأعلام أنه لا يقول إلا حقا؛ ولم يقل للأعرابي - حين قال: هلم شهيدا -: "إنه لا بينة عليه"؛ وكذلك سائر المدعين؛ فعليهم إقامة بينة لا يجر بها إلى نفسه مغنما؛ ولا يدفع بها عنها مغرما؛ وشهادة الوالد لولده يجر بها إلى نفسه أعظم المغنم؛ كشهادته لنفسه؛ والله (تعالى) أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية