الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة في سبب نزولها ثلاثة أقوال . أحدها: أن الصحابة أصابهم يوم الأحزاب بلاء وحصر ، فنزلت هذه الآية ، ذكره السدي عن أشياخه ، وهو قول قتادة . والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لما دخل المدينة هو وأصحابه اشتد بهم الضر ، فنزلت هذه الآية ، قاله عطاء . والثالث: أن المنافقين قالوا للمؤمنين: لو كان محمد نبيا لم يسلط عليكم القتل ، فأجابوهم: من قتل منا دخل الجنة ، فقالوا: لم تمنون أنفسكم بالباطل؟ فنزلت هذه [ ص: 232 ] الآية ، قاله مقاتل . وزعم أنها نزلت يوم أحد . قال الفراء: (أم حسبتم) بمعنى: أظننتم ، وقال الزجاج: "أم" بمعنى: بل . وقد شرحنا "أم" فيما تقدم شرحا كافيا . والمثل بمعنى: الصفة . و"زلزلوا" خوفوا وحركوا بما يؤذي ، وأصل الزلزلة في اللغة من: زل الشيء عن مكانه ، فإذا قلت: زلزلته ، فتأويله: كررت زلزلته من مكانه ، وكل ما كان فيه ترجيع كررت فيه فاء الفعل ، تقول: أقل فلان الشيء: إذا رفعه من مكانه ، فإذا كرر رفعه ورده ، قيل: قلقله . فالمعنى أنه تكرر عليهم التحريك بالخوف ، قاله ابن عباس . البأساء: الشدة والبؤس ، والضراء: البلاء والمرض . وكل رسول بعث إلى أمته يقول: (متى نصر الله) والنصر: الفتح ، والجمهور على فتح لام "حتى يقول" وضمها نافع .

                                                                                                                                                                                                                                      فصل

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى الآية: أن البلاء والجهد بلغ بالأمم المتقدمة إلى أن استبطؤوا النصر لشدة البلاء . وقد دلت على أن طريق الجنة إنما هو الصبر على البلاء . قالت عائشة: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى مضى لسبيله . وقال حذيفة: أقر أيامي لعيني ، يوم أرجع إلى أهلي فيشكون إلى الحاجة . قيل: ولم ذلك؟ قال: لأني سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول: "إن الله يتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الوالد ولده [بالخير ] ، وإن الله ليحمي المؤمن من الدنيا ، كما يحمي المريض أهله الطعام" أخبرنا أبو بكر الصوفي ، قال: أخبرنا أبو سعيد ابن أبي صادق ، قال: أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي ، قال: سمعت أبا الطيب ابن الفرخان يقول: سمعت الجنيد يقول: دخلت على سري السقطي وهو يقول: [ ص: 233 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وما رمت الدخول عليه حتى حللت محله العبد الذليل

                                                                                                                                                                                                                                          وأغضيت الجفون على قذاها
                                                                                                                                                                                                                                      وصنت النفس عن قال وقيل



                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية