الضرب الرابع :
nindex.php?page=treesubj&link=20804_22064فهم غير المنطوق به من المنطوق
بدلالة سياق الكلام ، ومقصوده ، كفهم تحريم الشتم ، والقتل ، والضرب من قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما } ، وفهم تحريم مال اليتيم ، وإحراقه ، وإهلاكه من قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=10إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما } ، وفهم ما وراء الذرة ، والدينار من قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } ، وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك } ، وكذلك قول القائل : ما أكلت له برة ، ولا شربت له شربة ، ولا أخذت من ماله حبة ، فإنه يدل على ما وراءه .
فإن قيل : هذا من قبيل التنبيه بالأدنى على الأعلى .
قلنا : لا حجر في هذه التسمية ، لكن يشترط أن يفهم أن مجرد ذكر الأدنى لا يحصل هذا التنبيه ما لم يفهم الكلام ، وما سيق له ، فلولا معرفتنا بأن الآية سيقت لتعظيم الوالدين واحترامهما لما فهمنا منع الضرب ، والقتل من منع التأفيف ، إذ قد يقول السلطان إذا أمر بقتل ملك : لا تقل له أف لكن اقتله ، وقد يقول : والله ما أكلت مال فلان ، ويكون قد أحرق ماله فلا يحنث . فإن قيل : الضرب حرام قياسا على التأفيف ; لأن التأفيف إنما حرم للإيذاء ، وهذا الإيذاء فوقه .
قلنا : إن أردت بكونه قياسا أنه محتاج إلى تأمل ، واستنباط علة فهو خطأ ، وإن أردت أنه مسكوت فهم من منطوق فهو صحيح بشرط أن يفهم أنه أسبق إلى الفهم من المنطوق أو هو معه ، وليس
[ ص: 265 ] متأخرا عنه ، وهذا قد يسمى مفهوم الموافقة ، وقد يسمى فحوى اللفظ ولكل فريق اصطلاح آخر فلا تلتفت إلى الألفاظ واجتهد في إدراك حقيقة هذا الجنس .
الضَّرْبُ الرَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=20804_22064فَهْمُ غَيْرِ الْمَنْطُوقِ بِهِ مِنْ الْمَنْطُوقِ
بِدَلَالَةِ سِيَاقِ الْكَلَامِ ، وَمَقْصُودِهِ ، كَفَهْمِ تَحْرِيمِ الشَّتْمِ ، وَالْقَتْلِ ، وَالضَّرْبِ مِنْ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا } ، وَفَهْمِ تَحْرِيمِ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَإِحْرَاقِهِ ، وَإِهْلَاكِهِ مِنْ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=10إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا } ، وَفَهْمِ مَا وَرَاءَ الذَّرَّةِ ، وَالدِّينَارِ مِنْ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } ، وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75وَمِنْهُمْ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إلَيْكَ } ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ : مَا أَكَلْت لَهُ بُرَّةً ، وَلَا شَرِبْتُ لَهُ شَرْبَةً ، وَلَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ حَبَّةً ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مَا وَرَاءَهُ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا مِنْ قَبِيلِ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى .
قُلْنَا : لَا حَجْرَ فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُفْهَمَ أَنَّ مُجَرَّدَ ذِكْرِ الْأَدْنَى لَا يُحَصِّلُ هَذَا التَّنْبِيهَ مَا لَمْ يُفْهَمْ الْكَلَامُ ، وَمَا سِيقَ لَهُ ، فَلَوْلَا مَعْرِفَتُنَا بِأَنَّ الْآيَةَ سِيقَتْ لِتَعْظِيمِ الْوَالِدَيْنِ وَاحْتِرَامِهِمَا لَمَا فَهِمْنَا مَنْعَ الضَّرْبِ ، وَالْقَتْلِ مِنْ مَنْعِ التَّأْفِيفِ ، إذْ قَدْ يَقُولُ السُّلْطَانُ إذَا أَمَرَ بِقَتْلِ مَلِكٍ : لَا تَقُلْ لَهُ أُفٍّ لَكِنْ اُقْتُلْهُ ، وَقَدْ يَقُولُ : وَاَللَّهِ مَا أَكَلْت مَالَ فُلَانٍ ، وَيَكُونُ قَدْ أَحْرَقَ مَالَهُ فَلَا يَحْنَثُ . فَإِنْ قِيلَ : الضَّرْبُ حَرَامٌ قِيَاسًا عَلَى التَّأْفِيفِ ; لِأَنَّ التَّأْفِيفَ إنَّمَا حُرِّمَ لِلْإِيذَاءِ ، وَهَذَا الْإِيذَاءُ فَوْقَهُ .
قُلْنَا : إنْ أَرَدْتَ بِكَوْنِهِ قِيَاسًا أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى تَأَمُّلٍ ، وَاسْتِنْبَاطِ عِلَّةٍ فَهُوَ خَطَأٌ ، وَإِنْ أَرَدْتَ أَنَّهُ مَسْكُوتٌ فُهِمَ مِنْ مَنْطُوقٍ فَهُوَ صَحِيحٌ بِشَرْطِ أَنْ يُفْهَمَ أَنَّهُ أَسْبَقُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ الْمَنْطُوقِ أَوْ هُوَ مَعَهُ ، وَلَيْسَ
[ ص: 265 ] مُتَأَخِّرًا عَنْهُ ، وَهَذَا قَدْ يُسَمَّى مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ ، وَقَدْ يُسَمَّى فَحْوَى اللَّفْظِ وَلِكُلِّ فَرِيقٍ اصْطِلَاحٌ آخَرُ فَلَا تَلْتَفِتْ إلَى الْأَلْفَاظِ وَاجْتَهِدْ فِي إدْرَاكِ حَقِيقَةِ هَذَا الْجِنْسِ .