الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              الضرب الرابع : فهم غير المنطوق به من المنطوق

              بدلالة سياق الكلام ، ومقصوده ، كفهم تحريم الشتم ، والقتل ، والضرب من قوله تعالى : { فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما } ، وفهم تحريم مال اليتيم ، وإحراقه ، وإهلاكه من قوله تعالى : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما } ، وفهم ما وراء الذرة ، والدينار من قوله تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } ، وقوله : { ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك } ، وكذلك قول القائل : ما أكلت له برة ، ولا شربت له شربة ، ولا أخذت من ماله حبة ، فإنه يدل على ما وراءه .

              فإن قيل : هذا من قبيل التنبيه بالأدنى على الأعلى . قلنا : لا حجر في هذه التسمية ، لكن يشترط أن يفهم أن مجرد ذكر الأدنى لا يحصل هذا التنبيه ما لم يفهم الكلام ، وما سيق له ، فلولا معرفتنا بأن الآية سيقت لتعظيم الوالدين واحترامهما لما فهمنا منع الضرب ، والقتل من منع التأفيف ، إذ قد يقول السلطان إذا أمر بقتل ملك : لا تقل له أف لكن اقتله ، وقد يقول : والله ما أكلت مال فلان ، ويكون قد أحرق ماله فلا يحنث . فإن قيل : الضرب حرام قياسا على التأفيف ; لأن التأفيف إنما حرم للإيذاء ، وهذا الإيذاء فوقه .

              قلنا : إن أردت بكونه قياسا أنه محتاج إلى تأمل ، واستنباط علة فهو خطأ ، وإن أردت أنه مسكوت فهم من منطوق فهو صحيح بشرط أن يفهم أنه أسبق إلى الفهم من المنطوق أو هو معه ، وليس [ ص: 265 ] متأخرا عنه ، وهذا قد يسمى مفهوم الموافقة ، وقد يسمى فحوى اللفظ ولكل فريق اصطلاح آخر فلا تلتفت إلى الألفاظ واجتهد في إدراك حقيقة هذا الجنس .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية