الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى: للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وسبب نزول هذه الآية ، في الجاهلية كانوا يورثون الذكور دون الإناث ، فروى ابن جريج عن عكرمة قال: نزلت في أم كجة وبناتها وثعلبة وأوس بن سويد وهم من الأنصار ، وكان أحدهما زوجها والآخر عم ولدها ، فقالت: يا رسول الله توفي زوجي وتركني وبنيه ولم نورث ، فقال عم ولدها: يا رسول الله، ولدها لا يركب فرسا ولا يحمل كلا ، ولا ينكأ عدوا يكسب عليها ولا تكسب ، فنزلت هذه الآية. [ ص: 456 ]

                                                                                                                                                                                                                                        وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه فيها ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها ثابتة الحكم. قال سعيد بن جبير: هما وليان ، أحدهما يرث وهو الذي أمر أن يرزقهم أي يعطيهم ، والآخر لا يرث وهو الذي أمر أن يقول لهم قولا معروفا ، وبإثبات حكمها قال ابن عباس ، ومجاهد ، والشعبي ، والحسن ، والزهري. وروي عن عبيدة أنه ولي وصية فأمر بشاة فذبحت ، وصنع طعاما لأجل هذه الآية وقال: لولا هذه الآية لكان هذا من مالي. والقول الثاني: أنها منسوخة بآية المواريث ، وهذا قول قتادة ، وسعيد بن المسيب ، وأبي مالك ، والفقهاء. والثالث: أن المراد بها وصية الميت التي وصى بها أن تفرق فيمن ذكر وفيمن حضر ، وهو قول عائشة. فيكون ثبوت حكمها على غير الوجه الأول. واختلف من قال: بثبوت حكمها على الوجه الأول في الوارث إذا كان صغيرا هل يجب على وليه إخراجها من سهمه؟ على قولين: أحدهما: يجب ، وهو قول ابن عباس ، وسعيد ، ويقول الولي لهم قولا معروفا. والثاني: أنه حق واجب في أموال الصغار على الأولياء ، وهو قول عبيدة ، والحسن. وقولوا لهم قولا معروفا فيه قولان: أحدهما: أنه خطاب للورثة وأوليائهم أن يقولوا لمن حضر من أولي القربى ، واليتامى ، والمساكين قولا معروفا عند إعطائهم المال ، وهذا قول ابن عباس ، وسعيد بن جبير . والثاني: خطاب للآخرين أن يقولوا للدافعين من الورثة قولا معروفا ، وهو الدعاء لهم بالرزق والغنى. [ ص: 457 ]

                                                                                                                                                                                                                                        وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا فيه أربعة أقاويل: أحدها: أن معناه: وليحذر الذين يحضرون ميتا يوصي في ماله أن يأمروه بتفريق ماله وصية فيمن لا يرثه ولكن ليأمروه أن يبقي ماله لولده ، كما لو كان هو الموصي لآثر أن يبقى ماله لولده ، وهذا قول ابن عباس ، ومجاهد ، والسدي .والثاني: أن معناه: وليحذر الذين يحضرون الميت وهو يوصي أن ينهوه عن الوصية لأقربائه ، وأن يأمروه بإمساك ماله والتحفظ به لولده ، وهم لو كانوا من أقرباء الموصي لآثروا أن يوصي لهم ، وهو قول مقسم ، وسليمان بن المعتمر. والثالث: أن ذلك أمر من الله تعالى لولاة الأيتام ، أن يلوهم بالإحسان إليهم في أنفسهم وأموالهم ، كما يحبون أن يكون ولاة أولادهم الصغار من بعدهم في الإحسان إليهم لو ماتوا وتركوا أولادهم يتامى صغارا ، وهو مروي عن ابن عباس . والرابع: أن من خشي على ذريته من بعده ، وأحب أن يكف الله عنهم الأذى بعد موته ، فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ، وهو قول أبي بشر بن الديلمي. إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما عبر عن الأخذ بالأكل لأنه مقصود الأخذ. إنما يأكلون في بطونهم نارا فيه قولان: أحدهما: يعني أنهم يصيرون به إلى النار.والثاني: أنه تمتلئ بها بطونهم عقابا يوجب النار. وسيصلون سعيرا الصلاء لزوم النار ، والسعير إسعار النار ، ومنه قوله تعالى: وإذا الجحيم سعرت [التكوير: 12].

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية