الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      [67] لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم .

                                                                                                                                                                                                                                      لكل أمة جعلنا أي : وضعنا : منسكا أي : شريعة ومتعبدا : هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر أي : في ذلك الجعل والوضع والحوار في تنوعه في كل أمة ، وعدم وحدته ، أو في أمر ما جئتهم به ، زعما بأنه يستغني عنه بما شرع قبله . لأنه جهل بحكمته تعالى في تكوين الأمم وتربيتها بالشرائع المناسبة لزمنها ومكانها ، وحياتها ومنشئها . ولذلك كانت هذه الشريعة أهدى الشرائع للامتنان بها ، حينما بلغ الإنسان أعلى طور الرشد ولذلك وجبت الدعوة إليها خاصة كما قال سبحانه : وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم أي : اثبت على دينك ثباتا لا يطمعون أن يخدعوك عنه . أو معناه : ثابر على الدعوة إلى ما أمرت به . فلا تضرك منازعتهم . وعلى الكل اتباعك وعدم مخالفتك ، لاستقرار الأمر على شرعتك . لأنها الطريق القويم .

                                                                                                                                                                                                                                      هذا ، وقال ابن جرير : أصل المنسك في كلام العرب ، الموضع المعتاد الذي يعتاده الرجل ويألفه ، لخير أو شر . يقال : (إن لفلان منسكا يعتاده ) ، يراد مكانا يغشاه ويألفه لخير أو شر . وقد اختلف أهل التأويل في معنى (النسك ) هنا ، فقيل : عيدا . وقيل : إراقة الدم (ثم استظهر ) أن المعنى إراقة الدم أيام النحر بمنى . لأن المناسك التي كان المشركون جادلوا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كانت إراقة الدم في هذه الأيام ، أي : فلا ينازعك هؤلاء المشركون في ذبحك ومنسكك بقولهم : (أتأكلون ما قتلتم ، ولا تأكلون الميتة التي قتلها الله ) ؟ انتهى .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 4378 ] وعليه ، فيكون المراد بالجعل في قوله تعالى : جعلنا الجعل القدري لا التشريعي . كما قال : ولكل وجهة هو موليها أي : هؤلاء إنما يفعلون هذا عن قدر الله وإرادته . فلا تتأثر بمنازعتهم لك ، ولا يصرفك ذلك عما أنت عليه من الحق . وهذا كقوله تعالى : ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنـزلت إليك وادع إلى ربك أشار له ابن كثير . ونقل الرازي عن ابن عباس ، في رواية عطاء ، أن المراد بالمنسك : الشريعة المنهاج . قال : وهو اختيار القفال ، لقوله تعالى : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا وهو الذي آثرناه أولا لظهوره فيه . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية