الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون "بل "؛ للإضراب النافي لما قبله؛ لا مجرد الإضراب الانتقالي؛ و "القذف ": الرمي من بعيد؛ والرمي من بعيد يكون مؤثرا في المرمي عليه أكثر من القريب؛ ويكون أدل على شدة الرمي؛ و "بل "؛ التي للإضراب تدل أشد الدلالة على نفي اللعب عن أفعاله؛ فوق النفي السابق؛ سبحانه وتعالى عما تتصف به الحوادث من لعب؛ وتزجية الأوقات؛ فهو القادر القهار؛ الذي خلق كل شيء.

                                                          وفي قوله (تعالى): نقذف بالحق على الباطل فيدمغه تشبيه للحق بالجسم الصلب القوي الشديد؛ والباطل أمامه بأنه هش ضعيف؛ وذلك لبقاء الحق وسلامته وصلابته؛ و "فيدمغه "؛ معناه: يصيبه في دماغه؛ ويقال: "دمغه "؛ إذا أصابه في دماغه؛ أو كسر دماغه؛ ووصل إلى تجاويف رأسه؛ حتى يصيب مخه فيقتله؛ وفي ذلك أيضا تشبيه؛ فشبه - سبحانه وتعالى - إصابة الحق للباطل بإصابة الدماغ؛ ووراء إصابة الدماغ الموت; ولذا قال (تعالى): فإذا هو زاهق والفاء و "إذا "؛ للمفاجأة؛ والمراد من المفاجأة سرعة الإبطال؛ و "زاهق "؛ معناها: ميت؛ لأن "زهق "؛ معناه: خرجت روحه؛ وفي هذا الكلام أيضا تشبيه للباطل إذا زال وذهبت دولته بالنفس إذا خرجت ومات صاحبها؛ وفي ذلك إشارة إلى أن الباطل لا يبقى؛ والحق باق إلى يوم الخلود؛ وما يرمونه من باطل فهو ميت فان؛ وما يثبت من حق باق خالد .

                                                          وبعد أن قرر - سبحانه - ذلك؛ مؤكدا خلق السماوات والأرض لإحقاق الحق؛ وإبطال الباطل؛ التفت بالخطاب للمشركين؛ فقال - عز من قائل - منذرا لهم -: ولكم الويل مما تصفون "؛ أي: لكم الهلاك الذي يصحبه أنين وألم؛ يستمر؛ "مما تصفون "؛ "ما "؛ موصول حرفي؛ والمعنى: من الوصف الذي تصفونه به؛ و "من "؛ سببية؛ أي: بسبب الوصف الذي تصفونه؛ وأن له شركاء يعبدون؛ وأنهم يكونون شفعاء عنده؛ وهذه أوصاف لا تليق بالذات العلية؛ وهم يقولون باطلا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى [ ص: 4844 ]

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية