[ ص: 392 ] سورة الشورى
مكية [إلا الآيات 23 و 24 و 25 و 27 فمدنية]
وآياتها 53 [نزلت بعد سورة فصلت]
بسم الله الرحمن الرحيم
حم عسق كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم
قرأ ابن عباس رضي الله عنهما "حم سق". وابن مسعود كذلك يوحي إليك أي: مثل ذلك الوحي، أو مثل ذلك الكتاب يوحي إليك وإلى الرسل من قبلك الله يعني أن ما تضمنته هذه السورة من المعاني قد أوحى الله إليك مثله في غيرها من السور، وأوحاه من قبلك إلى رسله، على معنى: أن الله تعالى كرر هذه المعاني في القرآن في جميع الكتب السماوية; لما فيها من التنبيه البليغ واللطف العظيم لعباده من الأولين والآخرين، ولم يقل: أوحي إليك، ولكن على لفظ المضارع; ليدل على أن إيحاء مثله عادته. وقرئ (يوحى إليك) على البناء للمفعول. فإن قلت: فما رافع اسم الله على هذه القراءة؟ قلت: ما دل عليه يوحي، كأن قائلا قال: من الموحى؟ فقيل: الله، كقراءة السلمى: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم [الأنعام: 137] على البناء للمفعول ورفع شركائهم، على معنى: زينه لهم شركاؤهم. فإن قلت: فما رافعه فيمن قرأ نوحي بالنون؟ قلت: يرتفع بالابتداء. والعزيز وما بعده: أخبار، أو العزيز الحكيم: صفتان; والظرف خبر. قرئ: (تكاد) بالتاء والياء. وينفطرن، ويتفطرن. وروى يونس عن قراءة غريبة (تتفطرن) بتاءين مع النون، ونظيرها حرف نادر، روي في نوادر أبي عمرو : الإبل تشممن. ومعناه: يكدن ينفطرن من علو شأن الله وعظمته، يدل عليه [ ص: 393 ] مجيئه بعد العلي العظيم. وقيل: من دعائهم له ولدا، كقوله تعالى: ابن الأعرابي تكاد السماوات يتفطرن منه [مريم: 90]. فإن قلت: لم قال: من فوقهن ؟ قلت: لأن أعظم الآيات وأدلها على الجلال والعظمة: فوق السماوات، وهي: العرش، والكرسي، وصفوف الملائكة المرتجة بالتسبيح والتقديس حول العرش، وما لا يعلم كنهه إلا الله تعالى من آثار ملكوته العظمى; فلذلك قال: يتفطرن من فوقهن أي يبتدئ الانفطار من جهتهن الفوقانية. أو: لأن كلمة الكفر جاءت من الذين تحت السماوات، فكان القياس أن يقال: ينفطرن من تحتهن من الجهة التي جاءت منها الكلمة، ولكنه بولغ في ذلك، فجعلت مؤثرة في جهة الفوق، كأنه قيل: يكدن ينفطرن من الجهة التي فوقهن دع الجهة التي تحتهن، ونظيره في المبالغة قوله عز وعلا: يصب من فوق رءوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم [الحج: 19- 20] فجعل الحميم مؤثرا في أجزائهم الباطنة. وقيل: من فوقهن: من فوق الأرضين. فإن قلت: كيف صح أن يستغفروا لمن في الأرض وفيهم الكفار أعداء الله؟ وقد قال الله تعالى: أولئك عليهم لعنة الله والملائكة [البقرة: 161] فكيف يكونون لاعنين مستغفرين لهم؟ قلت: قوله: لمن في الأرض يدل على جنس أهل الأرض، وهذه الجنسية قائمة في كلهم وفى بعضهم; فيجوز أن يراد به هذا وهذا. وقد دل الدليل على أن الملائكة لا يستغفرون إلا لأولياء الله وهم المؤمنون، فما أراد الله إلا إياهم. ألا ترى إلى قوله تعالى في سورة المؤمن: ويستغفرون للذين آمنوا [غافر: 7] وحكايته عنهم فاغفر [ ص: 394 ] للذين تابوا واتبعوا سبيلك [غافر: 7] كيف وصفوا المستغفر لهم بما يستوجب به الاستغفار فما تركوا للذين لم يتوبوا من المصدقين طمعا في استغفارهم، فكيف للكفرة. ويحتمل أن يقصدوا بالاستغفار: طلب الحلم والغفران في قوله تعالى: إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا [فاطر: 41] إلى أن قال: إنه كان حليما غفورا [الإسراء: 44] وقوله تعالى: وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم [الرعد: 6] والمراد: الحلم عنهم وأن لا يعالجهم بالانتقام فيكون عاما. فإن قلت: قد فسرت قوله تعالى: تكاد السماوات يتفطرن بتفسيرين. فما وجه طباق ما بعده لهما؟ قلت: أما على أحدهما فكأنه قيل: تكاد السماوات ينفطرن هيبة من جلاله واحتشاما من كبريائه، والملائكة الذين هم ملء السبع الطباق وحافون حول العرش صفوفا بعد صفوف يداومون -خضوعا لعظمته- على عبادته وتسبيحه وتحميده، ويستغفرن لمن في الأرض خوفا عليهم من سطواته. وأما على الثاني: فكأنه قيل: يكدن ينفطرن من إقدام أهل الشرك على تلك الكلمة الشنعاء، والملائكة يوحدون الله وينزهونه عما لا يجوز عليه من الصفات التي يضيفها إليه الجاهلون به، حامدين له على ما أولاهم من ألطافه التي علم أنهم عندها يستعصمون، مختارين غير ملجئين، ويستغفرون لمؤمني أهل الأرض الذين تبرءوا من تلك الكلمة ومن أهلها، أو يطلبون إلى ربهم أن يحلم عن أهل الأرض ولا يعاجلهم بالعقاب مع وجود ذلك فيهم; لما عرفوا في ذلك من المصالح، وحرصا على نجاة الخلق، وطمعا في توبة الكفار والفساق منهم.
سورة الشورى
- تفسير قوله تعالى حم عسق كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم
- تفسير قوله تعالى والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم
- تفسير قوله تعالى وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها
- تفسير قوله تعالى ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته
- تفسير قوله تعالى أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى
- تفسير قوله تعالى وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله
- تفسير قوله تعالى فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا
- تفسير قوله تعالى له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر
- تفسير قوله تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك
- تفسير قوله تعالى وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم
- تفسير قوله تعالى فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم
- تفسير قوله تعالى والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم
- تفسير قوله تعالى الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب
- تفسير قوله تعالى الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز
- تفسير قوله تعالى من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها
- تفسير قوله تعالى أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله
- تفسير قوله تعالى ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم
- تفسير قوله تعالى أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشإ الله يختم على قلبك
- تفسير قوله تعالى وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون
- تفسير قوله تعالى ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله
- تفسير قوله تعالى ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض
- تفسير قوله تعالى وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته
- تفسير قوله تعالى ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة
- تفسير قوله تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير
- تفسير قوله تعالى ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام
- تفسير قوله تعالى ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص
- تفسير قوله تعالى فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى
- تفسير قوله تعالى والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون
- تفسير قوله تعالى والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم
- تفسير قوله تعالى والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون
- تفسير قوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله
- تفسير قوله تعالى ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل
- تفسير قوله تعالى ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور
- تفسير قوله تعالى ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده
- تفسير قوله تعالى وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفى
- تفسير قوله تعالى استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله
- تفسير قوله تعالى فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا
- تفسير قوله تعالى لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء
- تفسير قوله تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب
- تفسير قوله تعالى وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان