الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ما يفعله الإمام إذا أراد الغزو من كتمان حاله والتطلع على حال عدوه 3286 - ( عن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان { إذا أراد غزوة ورى بغيرها } . متفق عليه ، وهو لأبي داود ، وزاد { والحرب خدعة } ) .

                                                                                                                                            3287 - ( وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الحرب خدعة } ) . [ ص: 276 ]

                                                                                                                                            3288 - ( وعن أبي هريرة قال : { سمى النبي صلى الله عليه وسلم : الحرب خدعة } ) .

                                                                                                                                            3289 - ( وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من يأتيني بخبر القوم ؟ يوم الأحزاب ، فقال الزبير : أنا ، ثم قال : من يأتيني بخبر القوم ؟ قال الزبير : أنا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لكل نبي حواري وحواري الزبير } . متفق عليهن ) .

                                                                                                                                            3290 - ( وعن أنس قال : { بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبسا عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان . فحدثه الحديث ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم فقال : إن لنا طلبة فمن كان ظهره حاضرا فليركب معنا فجعل رجال يستأذنونه في ظهرهم في علو المدينة ، فقال : لا ، إلا من كان ظهره حاضرا ، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا ركب المشركين إلى بدر } . رواه أحمد ومسلم )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( ورى ) أي ستر ويستعمل في إظهار شيء مع إرادة غيره . وأصله من الوري بفتح الواو وسكون الراء : هو ما يجعل وراء الإنسان ، لأن من ورى بشيء جعله وراءه . وقيل : هو في الحرب أخذ العدو على غرة . وقيد السيرافي في شرح كتاب سيبويه بالهمزة . قال : وأصحاب الحديث لم يضبطوا فيه الهمزة فكأنهم سهلوها . قوله : ( خدعة ) بفتح الخاء المعجمة وضمها مع سكون الدال المهملة وبضم أوله وفتح ثانيه . قال النووي : اتفقوا على أن الأولى أفصح ، وبذلك جزم أبو ذر الهروي والقزاز ، والثانية ضبطت كذلك في رواية الأصيلي ورجح ثعلب الأولى وقال : بلغنا بها النبي صلى الله عليه وسلم ، قال أبو بكر بن طلحة : أراد ثعلب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعمل هذه البنية كثيرا لوجازة لفظها ولكونها تعطي معنى البنيتين الآخرتين .

                                                                                                                                            قال : ويعطي معناهما أيضا الأمر باستعمال الحيلة مهما أمكن ولو مرة ، قال : فكانت مع اختصارها كثيرة المعنى . ومعنى خدعة بالإسكان : أنها تخدع أهلها من وصف الفاعل باسم المصدر أو من وصف المفعول كما يقال : هذا الدرهم ضرب الأمير : أي مضروبه . وقال الخطابي : معناه أنها مرة واحدة : أي إذا خدع مرة واحدة لم تقل عثرته . وقيل الحكمة في الإتيان بالتاء للدلالة على الوحدة ، فإن الخداع إن كان من المسلمين فكأنه حضهم على ذلك ولو مرة واحدة ، وإن كان من الكفار فكأنه حذرهم من مكرهم ، ولو وقع مرة واحدة فلا ينبغي التهاون بهم لما ينشأ عنه من المفسدة ولو قل ، وفي اللغة الثالثة صيغة المبالغة كهمزة ولمزة . وحكى المنذري [ ص: 277 ] لغة رابعة بالفتح فيهما . قال : وهو جمع خادع : أي أن أهلها بهذه الصفة فكأنه قال : أهل الحرب خدعة . وحكى مكي ومحمد بن عبد الله الواحد لغة خامسة : كسر أوله مع الإسكان ، وأصله إظهار أمر وإضمار خلافه

                                                                                                                                            وفيه التحريض على أخذ الحذر في الحرب والندب إلى خداع الكفار ، وأن من يتيقظ لم يأمن أن ينعكس الأمر . قال النووي : واتفقوا على جواز خداع الكفار في الحرب كيف ما أمكن ، إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز . قال ابن العربي : الخداع في الحرب يقع بالتعرض وبالكمين ونحو ذلك .

                                                                                                                                            وفي الحديث الإشارة إلى استعمال الرأي في الحرب بل الاحتياج إليه آكد من الشجاعة . قال ابن المنير : معنى " الحرب خدعة " : أي الحرب الجيدة لصاحبها الكاملة في مقصودها إنما هي المخادعة لا المواجهة وذلك لخطر المواجهة ولحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر .

                                                                                                                                            قوله : ( بسبسا ) بضم الباء الموحدة الأولى وبعدها سين مهملة ساكنة وبعدها باء موحدة مفتوحة ثم سين مهملة وهو ابن عمرو ويقال ابن بشر .

                                                                                                                                            وفي سنن أبي داود بسبسة بزيادة تاء التأنيث . وقيل فيه أيضا بسيسة بالباء الموحدة مضمومة في أوله وفتح السين المهملة ثم ياء مثناة تحتية ساكنة . قوله : ( فقال : إن لنا طلبة ) بكسر اللام كما في القاموس ، وفي النهاية : الطلبة : الحاجة ، هذا فيه إبهام للمقصود وقد أورده المصنف للاستدلال به على أن الإمام يكتم أمره كما وقع في الترجمة .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية