الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون "لو "؛ كما قلنا: حرف امتناع لامتناع؛ أي: امتنع الفساد في الكون لامتناع أن يكون فيهما غير الله؛ فهو يسير في نظام لا يتخلف؛ فالنجوم في مساراتها؛ والشمس والقمر يجريان بحسبان؛ والليل والنهار يتعاقبان من غير تخلف. [ ص: 4847 ] و "إلا "؛ هنا للوصف؛ بمعنى "غير "; لأن الاستثناء في المستغرق يجب أن يكون المستثنى مستغرقا في المستثنى منه؛ ولا يمكن ذلك للغيرية المطلقة بين الاثنين؛ فلا ارتباط؛ حتى يجعل أحدهما مستثنى من الآخر؛ فما قبلها لا يشمل ما بعدها بأي نوع من الشمول؛ والاستثناء المنقطع فيه نوع قرب وشمول بين المستثنى والمستثنى منه من وجه؛ والدليل على أنه لا استثناء؛ رفع لفظ الجلالة؛ إذ لو كان منقطعا لكان منصوبا؛ فدل على أنه لا استثناء قط؛ وعلى ذلك تكون "لا "؛ وصفا بمعنى "غير ".

                                                          والمعنى أنه امتنع التالي في هذه الشرطية؛ وهو الفساد؛ وإذا بطل التالي لأنه يخالف الحس؛ والوجود كله قائم شاهد بالصلاح؛ فالسماء والأرض كل قائم به الصلاح؛ بدل الفساد؛ فالسماء بأبراجها وكواكبها ونجومها؛ والشمس سائرة في أبراجها ومساراتها بانتظام؛ والشمس والقمر كل في فلك يسبحون؛ مما يدل على أن مدبرا للكون يدبره؛ وينظمه؛ ولا يمكن أن يكون كل ذلك بالمصادفة؛ والمصادفة لا نفرضها إلا إذا ثبت أنه ليس ثمة موجد منشئ؛ وذلك باطل؛ وإن إثبات الوحدانية بهذا الدليل العقلي الذي جاء به القرآن؛ هو أقوى دليل جاء به المتكلمون؛ لإثبات الوحدانية؛ وهو الذي يسمى عندنا بـ "دليل التمانع "؛ وقبل أن نقرره كما جاء في القرآن؛ نقول: إن ذكر الآلهة لذكرها من قبل في قوله (تعالى): أم اتخذوا آلهة في الآية السابقة؛ فليس الدليل لمنع آلهة مع الله؛ بل هو لمنع أي إله مع الله (تعالى)؛ العلي القدير.

                                                          وما يقرره علماء الكلام - مقتبسين من استدلال القرآن - أنهم يقولون: لو كان فيهما إلهان؛ لتعارضت إرادتهما؛ فإن نفذت إرادة أحدهما دون الآخر؛ وتوالى ذلك؛ فهو الإله؛ دون الثاني؛ وإن توافقت إرادتهما على الدوام فهو إله واحد؛ والاتفاق على الدوام غير ممكن؛ لأن كل واحد منهما له إرادة مستقلة عن إرادة الآخر؛ فإن لم تخالف في كل أمر - فالتخالف لا محالة ثابت في بعض الأمور؛ وفوق ذلك عند التوافق -؛ فهو يؤدي إلى أن يكون العقل الواحد يتوارد عليه فاعلان؛ وذلك مستحيل؛ إذن فلا بد من فرض التخالف؛ والتخالف يؤدي إلى تحقق أمرين [ ص: 4848 ] متضادين؛ وذلك محال؛ فما أدى إليه محال أيضا؛ وإن نفذت الإرادتان بعد التسليم بذلك المحال؛ فسد الوجود؛ وهو الصلاح كله؛ وإذا بطل الفساد؛ بطل ما أدى إليه؛ فكان الله واحدا أحدا فردا صمدا؛ وقد قال (تعالى): فسبحان الله رب العرش عما يصفون الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها؛ أي: يترتب على بطلان التعدد أن يكون الله (تعالى) هو وحده الواحد؛ فتنزيها له؛ وتقديسا عما يصفون من الإشراك به؛ وقد وصف الله (تعالى) ذاته بقوله: رب العرش أي أن العرش له وحده؛ لا شريك له؛ وقد بين - سبحانه وتعالى - سلطانه الكامل؛ فقال:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية