الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      [ ص: 34 - 35 ] وإذا قلد الخليفة أميرا على إقليم أو بلد كانت إمارته على ضربين : عامة وخاصة : فأما العامة فعلى ضربين : إمارة استكفاء بعقد عن اختيار وإمارة استيلاء بعقد عن اضطرار .

                                      فإمارة الاستكفاء التي تنعقد عن اختياره فتشتمل على عمل محدود ونظر معهود ، والتقليد فيها أن يفوض إليه الخليفة إمارة بلد أو إقليم ولاية على جميع أهله ونظرا في المعهود من سائر أعماله فيصير عام النظر فيما كان محدودا من عمل ومعهودا من نظر فيشتمل نظره فيه على سبعة أمور : أحدها النظر في تدبير الجيوش وترتيبهم في النواحي وتقدير أرزاقهم إلا أن يكون الخليفة قدرها فيذرها عليهم .

                                      والثاني النظر في الأحكام وتقليد القضاة والحكام .

                                      والثالث : جباية الخراج وقبض الصدقات وتقليد العمال فيهما وتفريق ما استحق منها .

                                      والرابع : حماية الدين والذب عن الحريم ومراعاة الدين من تغيير أو تبديل .

                                      والخامس : إقامة الحدود في حق الله وحقوق الآدميين .

                                      والسادس : الإمامة في الجمع والجماعات حتى يؤم بها أو يستخلف عليها .

                                      والسابع : تسيير الحجيج من عمله ومن سلكه من غير أهله حتى يتوجهوا معانين عليه ، فإن كان هذا الإقليم ثغرا متاخما للعدو واقترن بها .

                                      الثامن : وهو جهاد من يليه من الأعداء وقسم غنائمهم في المقاتلة وأخذ خمسها لأهل الخمس وتعتبر في هذه الإمارة وعمومها في الوزارة وليس بين عموم الولاية وخصوصها فرق في الشروط المعتبرة فيها ثم ينظر في عقد هذه الإمارة ، فإن كان الخليفة قد تولاه كان لوزير التفويض عليه حق المراعاة والتصفح ولم يكن له عزله ولا نقله من إقليم إلى غيره .

                                      وإن كان الوزير قد تفرد بتقليده فهو [ ص: 36 ] على ضربين :

                                      أحدهما : أن يقلده عن إذن الخليفة ، فلا يجوز له عزله ولا نقله عن عمله إلى غيره إلا عن إذن الخليفة وأمره ، ولو عزل الوزير لم ينعزل هذا الأمير .

                                      والضرب الثاني : أن يقلده عن نفسه فهو نائب عنه فيجوز له أن ينفرد بعزله والاستبدال به بحسب ما يؤديه الاجتهاد إليه من النظر في الأولى والأصح .

                                      ولو أطلق الوزير تقليد هذا الأمير فلم يصرح فيه بأنه عن الخليفة ولا عن نفسه كان التقليد عن نفسه ; وله أن ينفرد بعزله ، ومتى انعزل الوزير انعزل هذا الأمير إلا أن يقر الخليفة على إمارته فيكون ذلك تجديد ولاية واستئناف تقليد غير أنه لا يحتاج في لفظ العقد إلى ما يحتاج إليه ابتداء العقد أن يقول قد قلدتك ناحية كذا إمارة على أهلها ونظرا على جميع ما يتعلق بها على تفصيل لا يدخله إجمال ولا يتناوله احتمال ، فإذا قلد الخليفة هذه الإمارة لم يكن فيها عزل للوزير عن تصفحها ومراعاتها ، وإذا قلد الوزارة لم يكن فيها عزل لهذا الأمير عن إمارته لأنه إذا اجتمع عموم التقليد وخصوصه في الولايات السلطانية كان عموم التقليد محمولا في العرف على مراعاة الأخص وتصفحه وكان خصوص التقليد محمولا على مباشرة العمل وتنفيذه .

                                      ويجوز لهذا الأمير أن يستوزر لنفسه وزير تنفيذ بأمر الخليفة وبغير أمره ، ولا يجوز أن يستوزر وزير تفويض إلا عن إذن الخليفة وأمره لأن وزير التنفيذ معين ووزير التفويض مستبد .

                                      وإذا أراد هذا الأمير أن يزيد في أرزاق جيشه لغير سبب لم يجز لما فيه من استهلاك مال في غير حق ، وإن زادهم لحدوث سبب يقتضيه نظر في السبب ، فإن كان مما يرجى زواله لا تستقر به الزيادة على التأبيد كالزيادة لغلاء سعر أو حدوث حدث أو نفقة في حرب جاز للأمير أن يدفع هذه الزيادة من بيت المال ولا يلزمه استثمار الخليفة لأنها من حقوق السياسة الموكولة إلى اجتهاده ، وإن كان سبب الزيادة مما يقتضي استقرارها على التأبيد كالزيادة لحرب أبلوا فيها وقاموا بالنصر حتى انجلت أوقفها على استثمار الخليفة فيها ولم يكن له التفرد بإمضائها ، ويجوز أن يرزق من بلغ من أولاد الجيش ويفرض لهم العطاء بغير أمر ، ولا يجوز أن يفرض لجيش مبتدإ [ ص: 37 ] إلا بأمر .

                                      وإذا فضل من مال الخراج فاضل عن أرزاق جيشه حمله إلى الخليفة ليضعه في بيت المال العام المعد للمصالح العامة ، وإذا فضل من مال الصدقات فاضل عن أهل عمله لم يلزمه حمله إلى الخليفة وصرفه في أقرب أهل الصدقات من عمله ، وإذا نقص مال الخراج عن أرزاق جيشه طالب الخليفة بتمامه من بيت المال ، ولو نقص مال الصدقات عن أهل عمله لم يكن له مطالبة الخليفة بتمامه لأن أرزاق الجيش مقدرة بالكفاية وحقوق أهل الصدقات معتبرة بالوجود .

                                      إذا كان تقليد الأمير من قبل الخليفة لم ينعزل بموت الخليفة ، وإن كان من قبل الوزير انعزل بموت الوزير لأن تقليد الخليفة نيابة عن المسلمين وتقليد الوزير نيابة عن نفسه ، وينعزل الوزير بموت الخليفة وإن لم ينعزل به الأمير لأن الوزارة نيابة عن الخليفة والإمارة نيابة على المسلمين فهذا حكم أحد قسمي الإمارة العامة وهي إمارة الاستكفاء المعقودة عن اختيار .

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية