الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 168 ] 239 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكافر الذي قد كان في أصحابه ، فنذر رجل منهم إن قدر عليه أن يقتله ، فحال بينه وبين ذلك إسلامه ، فلم يقتله لذلك

1513 - حدثنا محمد بن علي بن زيد المكي الصائغ ، قال : حدثنا حفص بن عمر الجدي ، قال : حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، قال : حدثنا أبو غالب ، عن أنس قال : { غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان رجل من الكفار أشد الناس على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : لئن أمكنه الله منه ليضربن عنقه . قال : فأظفر الله المسلمين بهم ، فكانوا يجيئون بهم أسرى ، فيبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جيء بذلك الرجل ، فكف النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعته ليفي الرجل بنذره ، وكره الرجل أن يقوم فيضرب عنقه قدام النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم لا يصنع شيئا بايعه ، فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : كيف أصنع يا رسول الله بنذري ؟ قال : قد كففت عنه لتفي بنذرك ، فلم تصنع شيئا ، فقال : يا رسول الله ، لولا أومضت إلي ؟ قال : ما كان لنبي أن يومض } .

[ ص: 169 ] قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث ما قد دل أن الذي كان من الرجل المذكور فيه لئن أمكنه الله منه ليضربن عنقه كان على النذر ، وأن ذلك فاته منه بإسلامه ، فلم يف بنذره ، فدل ذلك على أن النذور بالأشياء من هذا الجنس يقطع عن الوفاء بها مثل الذي قطع بذلك الناذر عن الوفاء بنذره من ذلك الكافر بإسلامه .

فقال قائل : أفيكون عليه مع ذلك كفارة إذا لم يف بنذره .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل ، أن عليه كفارة لفوت الوفاء بنذره إياه بمنع الشريعة إياه من الوفاء بذلك .

وفي ذلك ما قد [ ص: 170 ] دل أن المنع بالشريعة كالمنع بالعدم ، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على ما ذكرنا .

1514 - كما قد حدثنا محمد بن علي بن داود البغدادي ، قال : حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن عبيد الله بن عمر ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : { من نذر أن يطيع الله عز وجل فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله عز وجل فلا يعصه } .

قال حفص وسمعت ابن مجبر وهو عند عبيد الله ، فذكره ، عن القاسم ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله . وقال فيه : يكفر يمينه .

[ ص: 171 ] قال أبو جعفر : وهذا الحديث في الحقيقة لم يسمعه عبيد الله بن عمر من القاسم ، وإنما أخذه ، عن طلحة بن عبد الملك الأيلي ، عن القاسم ، عن عائشة .

1515 - كما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا يوسف بن عدي الكوفي ، قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن عبيد الله بن عمر ، عن طلحة بن عبد الملك ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من نذر أن يطيع الله عز وجل فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله عز وجل فلا يعصه } .

فعقلنا بذلك أن بين عبيد الله وبين القاسم في هذا الحديث طلحة بن عبد الملك ، والذي أتينا بهذا الحديث من أجله ما فيه من رواية ابن مجبر ، عن القاسم ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بذكر الكفارة ، وابن مجبر هذا رجل من آل عمر رضي الله عنه جليل المقدار .

[ ص: 172 ] وقد روى عنه مالك بن أنس رضي الله عنه ، وله ابن يتكلم في حديثه ، قد روى عنه المتأخرون ، وإذا كان من نذر أن يعصي الله عز وجل مأمورا بالكفارة مما تمنعه منه الشريعة كان من نذر ما تطلقه له الشريعة ، ثم منعته منه الشريعة بعد ذلك بالكفارة عن نذره الذي عجز عن الوفاء به أولى والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية