الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب الكف عن قصد النساء والصبيان والرهبان والشيخ الفاني بالقتل 3321 - ( عن ابن عمر قال : { وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان } . رواه الجماعة إلا النسائي ) .

                                                                                                                                            3322 - ( وعن رياح بن ربيع : { أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد ، فمر رياح وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة ، فوقفوا ينظرون إليها ، يعني وهم يتعجبون من خلقها حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته فأفرجوا عنها ، فوقف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما كانت هذه لتقاتل فقال لأحدهم : الحق خالدا فقل له : لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا } . رواه أحمد وأبو داود ) .

                                                                                                                                            3323 - ( وعن أنس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : انطلقوا باسم الله وبالله ، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتلوا شيخا فانيا ، ولا طفلا صغيرا ، ولا امرأة ، ولا تغلوا ، [ ص: 291 ] وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين } . رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            3324 - ( وعن ابن عباس قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه قال : اخرجوا باسم الله تعالى ، تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله ، لا تغدروا ، ولا تغلوا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا الولدان ، ولا أصحاب الصوامع } ) .

                                                                                                                                            3325 - ( وعن ابن كعب بن مالك عن عمه : { أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث إلى ابن أبي الحقيق بخيبر نهى عن قتل النساء والصبيان } ) .

                                                                                                                                            3326 - ( وعن الأسود بن سريع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تقتلوا الذرية في الحرب ، فقالوا : يا رسول الله أوليس هم أولاد المشركين ؟ ، قال : أوليس خياركم أولاد المشركين } . رواهن أحمد ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث رياح بكسر الراء المهملة وبعدها تحتانية هكذا في الفتح . وقال المنذري : بالباء الموحدة ، ويقال بالياء التحتانية ، ورجح البخاري أنه بالموحدة . أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي ، واختلف فيه على المرقع بن صيفي فقيل عن جده رياح ، وقيل عن حنظلة بن الربيع ، وذكر البخاري وأبو حاتم أن الأول أصح .

                                                                                                                                            وحديث أنس في إسناده خالد بن الفزر ليس بذاك ، والفزر بكسر الفاء وسكون الزاي وبعدها راء مهملة .

                                                                                                                                            وحديث ابن عباس في إسناده إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة وهو ضعيف ووثقه أحمد .

                                                                                                                                            وحديث ابن كعب بن مالك أخرجه أيضا الإسماعيلي في مستخرجه . وأخرجه أبو داود وابن حبان من حديث الزهري مرسلا كما تقدم . وقال في مجمع الزوائد : رجال أحمد رجال الصحيح .

                                                                                                                                            وحديث الأسود بن سريع قال في مجمع الزوائد أيضا : ورجال أحمد رجال الصحيح .

                                                                                                                                            وفي الباب عن علي عند البيهقي بنحو حديث ابن عباس المذكور ، وعن جرير عند ابن أبي حاتم في العلل ، وعن سمرة عند أحمد والترمذي وصححه بلفظ : { اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم } وأحاديث الباب تدل على أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان ، وإلى ذلك ذهب مالك والأوزاعي فلا يجوز ذلك عندهما بحال من الأحوال ، حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان أو تحصنوا بحصن أو سفينة وجعلوا معهم النساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم . وذهب الشافعي والكوفيون إلى الجمع بين الأحاديث المذكورة فقالوا : إذا قاتلت المرأة جاز قتلها . وقال ابن حبيب من المالكية : [ ص: 292 ] لا يجوز القصد إلى قتلها إذا قاتلت إلا إن باشرت القتل أو قصدت إليه . ويدل على هذا ما رواه أبو داود في المراسيل عن عكرمة { أن النبي صلى الله عليه وسلم : مر بامرأة مقتولة يوم حنين فقال : من قتل هذه ؟ فقال رجل : أنا يا رسول الله غنمتها فأردفتها خلفي فلما رأت الهزيمة فينا أهوت إلى قائم سيفي لتقتلني فقتلتها ، فلم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم } ووصله الطبراني في الكبير ، وفيه حجاج بن أرطاة ، وأرسله ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن يحيى الأنصاري . ونقل ابن بطال أنه اتفق الجميع على المنع من القصد إلى قتل النساء والولدان .

                                                                                                                                            أما النساء فلضعفهن ، وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفار ، ولما في استبقائهم جميعا من الانتفاع إما بالرق أو بالفداء فيمن يجوز أن يفادى به . قال في الفتح : وقد حكى الحازمي قولا بجواز قتل النساء والصبيان على ظاهر حديث الصعب ، وزعم أنه ناسخ لأحاديث النهي وهو غريب . قوله : ( ولا عسيفا ) بمهملتين وفاء كأجير وزنا ومعنى ، وفيه دليل على أنه لا يجوز قتل من كان مع القوم أجيرا ونحوه لأنه من المستضعفين . قوله : ( لا تقتلوا شيخا فانيا ) ظاهره أنه لا يجوز قتل شيوخ المشركين ، ويعارضه حديث { اقتلوا شيوخ المشركين } الذي ذكرناه .

                                                                                                                                            وقد جمع بين الحديثين بأن الشيخ المنهي عن قتله في الحديث الأول هو الفاني الذي لم يبق فيه نفع للكفار ولا مضرة على المسلمين ، وقد وقع التصريح بهذا الوصف بقوله : " شيخا فانيا " والشيخ المأمور بقتله في الحديث الثاني هو من بقي فيه نفع للكفار ولو بالرأي كما في دريد بن الصمة { فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من حنين بعث أبا عامر على جيش أوطاس فلقي دريد بن الصمة وقد كان نيف على المائة وقد أحضروه ليدبر لهم الحرب ، فقتله أبو عامر ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليه } كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي موسى والقصة معروفة .

                                                                                                                                            قال أحمد بن حنبل في تعليل أمره صلى الله عليه وسلم بقتل الشيوخ : إن الشيخ لا يكاد يسلم والصغير أقرب إلى الإسلام . قوله : ( ولا تغلوا ) سيأتي الكلام على تحريم الغلول والغدر والمثلة . قوله : ( وضموا غنائمكم ) أي اجمعوها . قوله : ( ولا أصحاب الصوامع ) فيه دليل على أنه لا يجوز قتل من كان متخليا للعبادة من الكفار كالرهبان لإعراضه عن ضر المسلمين . والحديث وإن كان فيه المقال المتقدم لكنه معتضد بالقياس على الصبيان والنساء بجامع عدم النفع والضرر وهو المناط ، ولهذا لم ينكر صلى الله عليه وسلم على قاتل المرأة التي أرادت قتله ، ويقاس على المنصوص عليهم بذلك الجامع من كان مقعدا أو أعمى أو نحوهما ممن كان لا يرجى نفعه ولا ضره على الدوام .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية