الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1288 [ ص: 268 ] ( 2 ) باب ما جاء في الرضاعة بعد الكبر

                                                                                                                        1249 - مالك ، عن ابن شهاب ; أنه سئل عن رضاعة الكبير ؟ فقال : أخبرني عروة بن الزبير ، أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان قد شهد بدرا ، وكان تبنى سالما الذي يقال له : سالم مولى أبي حذيفة . كما تبنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة ، وأنكح أبو حذيفة سالما ، وهو يرى أنه ابنه ، أنكحه بنت أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة . وهي يومئذ من المهاجرات الأول ، وهي من أفضل أيامى قريش ، فلما أنزل الله تعالى في كتابه ، وفي زيد بن حارثة ما أنزل ، فقال : ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم [ الأحزاب : 5 ] رد كل واحد من أولئك إلى أبيه . فإن لم يعلم أبوه رد إلى مولاه . فجاءت سهلة بنت سهيل . وهي امرأة أبي حذيفة . [ ص: 269 ] وهي من بني عامر بن لؤي . إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ، كنا نرى سالما ولدا ، وكان يدخل علي . وأنا فضل . وليس لنا إلا بيت واحد . فماذا ترى في شأنه ؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها " . وكانت تراه ابنا من الرضاعة . فأخذت بذلك عائشة أم المؤمنين . فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال ، فكانت تأمر أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق ، وبنات أخيها . أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال ، وأبى سائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس ، وقلن : لا والله ، ما نرى الذي أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهلة بنت سهيل . إلا رخصة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رضاعة سالم وحده ، لا والله ، لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد .

                                                                                                                        فعلى هذا كان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في رضاعة الكبير .

                                                                                                                        [ ص: 270 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 270 ] 27787 - قال أبو عمر : هذا حديث يدخل في المسند للقاء عروة وعائشة ، وسائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وللقائه سهلة بن سهيل أيضا .

                                                                                                                        27788 - وقد رواه عثمان بن عمر ، عن مالك مختصر اللفظ متصل الإسناد .

                                                                                                                        27789 - حدثنا خلف بن قاسم ، قال : حدثنا عبد الله بن عمر بن إسحاق . قال : حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج ، قال : حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، قال حدثنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر امرأة أبي حذيفة أن ترضع سالما خمس رضعات ، فكان يدخل عليها بتلك الرضاعة ، وكان سائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يأبين ذلك ، ويقلن : إنما كانت الرخصة في سالم وحده .

                                                                                                                        [ ص: 271 ] 27790 - وقد رواه عبد الرزاق ، وعبد الكريم بن روح ، وإسحاق بن عيسى ، عن مالك ، كما رواه عثمان بن عمر .

                                                                                                                        27791 - ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن ابن شهاب . . . وابن عبد الله بن . . . . . سلمة بلفظ حديث مالك في " موطئه " ، ومعناه : سواء إلى آخره .

                                                                                                                        27792 - ورواه ابن المبارك ، عن يونس ، عن الزهري ، عن عروة ، وابن عبد الله بن ربيعة ، عن عائشة مثله أيضا .

                                                                                                                        27793 - وقد ذكرنا الأحاديث بأسانيدها في " التمهيد " .

                                                                                                                        27794 - وأما قوله في حديث : يدخل علي ، وأنا فضل ، فإن الخليل قال : رجل متفضل وفضل : إذا توشح بثوب ، فخالف بين طرفيه على عاتقه .

                                                                                                                        27795 - قال : ويقال امرأة فضل ، وثوب فضل ، فمعنى الحديث - عندي - أنه كان يدخل عليها ، وهي منكشفة بعضها جالسة ، كيف أمكنها .

                                                                                                                        27796 - وقال ابن وهب : فضل : مكشوفة الرأس والصدر .

                                                                                                                        [ ص: 272 ] 27797 - وقيل : الفضل التي عليها ثوب واحد ، ولا إزار تحته .

                                                                                                                        27798 - وهذا أصح - إن شاء الله تعالى ; لأن انكشاف الصدر لا يجوز أن يضاف إلى ذوي الدين عند ذي محرم ، ولا غيره ; لأن الحرة عورة مجتمع على ذلك منها إلا وجهها وكفيها .

                                                                                                                        27799 - وقد ذكرنا ما في هذا الحديث من معاني ألفاظه في " التمهيد " ، واقتصرنا في هذا الكلام على الكلام في فقهه خاصة ، والذي جاء به في هذا الحديث التحريم برضاعة الكبير .

                                                                                                                        27800 - وهو مذهب عائشة من بين أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        27801 - حملت عائشة حديثها هذا في سالم على العموم ، فكانت تأمر أختها أم كلثوم ، وبنات أخيها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها .

                                                                                                                        27802 - ورأى غيرها هذا الحديث خصوصا في سالم ، وسهلة بنت سهيل .

                                                                                                                        [ ص: 273 ] 27803 - واختلف العلماء في ذلك كاختلاف أمهات المؤمنين :

                                                                                                                        27804 - فذهب الليث إلى أن رضاعة الكبير تحرم . كما تحرم رضاعة الصغير .

                                                                                                                        27805 - وهو قول عطاء .

                                                                                                                        27806 - وروي عن علي ، ولا يصح عنه ، والصحيح عنه : أن لا رضاع بعد فطام .

                                                                                                                        27807 - وكان أبو موسى الأشعري يفتي به ، ثم انصرف عنه إلى قول ابن مسعود .

                                                                                                                        27808 - وذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، قال : سمعت عطاء يسأل ، قال له رجل : سقتني امرأة من لبنها بعدما كنت رجلا أفأنكحها ؟ قال : لا . قلت : ذلك رأيك ؟ قال : نعم .

                                                                                                                        27809 - قال عطاء : كانت عائشة تأمر به بنات أخيها .

                                                                                                                        27810 - قال أبو عمر : هكذا رضاع الكبير ، كما ذكر عطاء ، يحلب له اللبن ، [ ص: 274 ] ويسقاه .

                                                                                                                        27811 - وأما أن تلقمه المرأة ثديها كما تصنع بالطفل ، فلا ; لأن ذلك لا ينبغي عند أهل العلم .

                                                                                                                        27812 - وقد أجمع العلماء على التحريم بما يشربه الغلام الرضيع من لبن المرأة ، وإن لم يمصه من ثديها ، وإنما اختلفوا في السعوط به وفي الحقنة ، والوجور ، وفي حين يصنع له منه .

                                                                                                                        27813 - وروى ابن وهب ، عن الليث أنه قال : أنا أكره رضاع الكبير أن أحل منه شيئا .

                                                                                                                        27814 - وروى عنه عبد الله بن صالح : أن امرأة جاءته : فقالت : إني أريد الحج ، وليس لي محرم ، فقال : اذهبي إلى امرأة رجل ترضعك ، فيكون زوجها أبا لك ، فتحجين معه .

                                                                                                                        27815 - وقال بقول الليث قوم ، منهم ابن علية .

                                                                                                                        27816 - وحجتهم حديث عائشة في قصة سالم - مولى أبي حذيفة ، وعملها به .

                                                                                                                        [ ص: 275 ] 27817 - وذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة : أن القاسم بن محمد ، أخبره ، أن عائشة أخبرته ، أن سهلة بنت سهيل بن عمرو جاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ! إن سالما معنا في البيت ، وقد بلغ ما يبلغ الرجال ، وعلم ما يعلم الرجل ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " أرضعيه تحرمي عليه " .

                                                                                                                        قال ابن أبي مليكة : فمكثت سنة أو قريبا منها لا أحدث به رهبة له ، ثم لقيت القاسم ، فقلت له : لقد حدثتني حديثا ما حدثت به بعد ، فقال : ما هو ؟ فأخبرته ، فقال : حدث به عني ، فإن عائشة أخبرتنيه .

                                                                                                                        27818 - قال أبو عمر : هذا يدل على أنه حديث ترك قديما ، ولم يعمل به ، ولا تلقاه الجمهور بالقبول على عمومه ، بل تلقوه بالخصوص .

                                                                                                                        27819 - وممن قال : إن رضاعة الكبير ليس بشيء : عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وابن عمر ، وأبو هريرة ، وابن عباس ، وسائر أمهات المؤمنين ، غير عائشة ، وجمهور التابعين ، وجماعة فقهاء الأمصار ، منهم : الليث ، ومالك ، وابن أبي ذئب ، وابن أبي ليلى ، وأبو حذيفة وأصحابه ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبو [ ص: 276 ] عبيد ، والطبري .

                                                                                                                        27820 - وحجتهم قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما الرضاعة من المجاعة ، ولا رضاعة إلا ما أنبت اللحم والدم " .

                                                                                                                        27821 - حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد بن مسرهد قال : حدثنا أبو الأحوص ، قال : حدثنا أشعث - وهو ابن أبي الشعثاء ، عن أبيه ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي رجل قاعد ، ، فاشتد ذلك عليه ، ورأيت الغضب في وجهه ، فقلت : يا رسول الله ! إنه أخي من الرضاعة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " انظرن من إخوانكن ، فإنما الرضاعة من المجاعة " .




                                                                                                                        الخدمات العلمية