الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            18 - كتاب العدة .

                                                                            باب مقام المطلقة في البيت حتى تنقضي عدتها .

                                                                            قال الله تعالى : ( لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) ، وقال الله عز وجل : ( أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ) الوجد والجدة في المال : السعة ، والمقدرة ورجل واجد ، أي : غني ، من الوجد والجدة ، ووجد الضالة وجدانا ، ووجد السلطان عليه وجدا وموجدة ، وفلان يجد بفلانة وجدا يعني في الحب .

                                                                            2384 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي، أنا زاهر بن أحمد، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، وسليمان بن يسار، أنه سمعهما يذكران: " أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق بنت عبد الرحمن [ ص: 292 ] بن الحكم البتة، فانتقلها عبد الرحمن بن الحكم، فأرسلت عائشة إلى مروان بن الحكم وهو أمير المدينة، فقالت: اتق الله يا مروان، واردد المرأة إلى بيتها.

                                                                            فقال مروان في حديث سليمان بن يسار: إن عبد الرحمن غلبني.

                                                                            وقال في حديث القاسم: أما بلغك شأن فاطمة بنت قيس؟ فقالت عائشة: لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة.

                                                                            فقال مروان: إن كان بك شر فحسبك ما بين هذين من الشر ". [ ص: 293 ] .

                                                                            هذا حديث صحيح، أخرجه محمد، عن إسماعيل، عن مالك، وأخرجه مسلم، من طرق، عن القاسم بن محمد.

                                                                            قال رحمه الله : لم يختلف أهل العلم في أن المطلقة الرجعية تستحق النفقة ، والسكنى ، واختلفوا في المبتوتة ، فقالت طائفة : لا نفقة لها ، ولا سكنى إلا أن تكون حاملا ، روي ذلك عن ابن عباس ، وهو قول الحسن ، وعطاء بن أبي رباح ، والشعبي ، وبه قال أحمد ، وإسحاق .

                                                                            وقالت طائفة : لها السكنى ، والنفقة حاملا كانت أو حائلا ، روي ذلك عن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن مسعود ، وبه قال إبراهيم النخعي ، وإليه ذهب سفيان ، وأصحاب الرأي .

                                                                            وقالت طائفة : لها السكنى بكل حال ، ولا نفقة لها إلا أن تكون حاملا ، وحكي ذلك عن ابن المسيب ، وبه قال الزهري ، وإليه ذهب مالك ، والليث بن سعد ، والأوزاعي ، وابن أبي ليلى ، والشافعي ، وسئل سعيد بن المسيب عن المرأة يطلقها زوجها في بيت بالكراء ، على من الكراء ؟ قال : على زوجها ، فإن لم يكن عند زوجها مال ، فعليها ، فإن لم يكن عندها ، فعلى الأمير .

                                                                            واحتج من لم يجعل لها السكنى بما روي عن الشعبي ، عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثا ، فلم [ ص: 294 ] يجعل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ، ولا نفقة ، وأمرها أن تعتد عند عمرو ابن أم مكتوم الأعمى ، فاعتدت عنده .

                                                                            فأما من جعل لها السكنى ، وهو قول الأكثرين ، فاختلفوا في سبب نقل فاطمة ، فروي عن عروة ، أن عائشة أنكرت ذلك على فاطمة ، وقالت : إن فاطمة كانت في مكان وحش ، فخيف على ناحيتها ، فلذلك رخص لها النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                            وروى القاسم ، عن عائشة ، أنها قالت : ما لفاطمة ألا تتقي الله ؟ يعني في قولها : لا سكنى ولا نفقة .

                                                                            وقال سعيد بن المسيب ، إنما نقلت فاطمة لطول لسانها على أحمائها .

                                                                            روى عمرو بن ميمون بن مهران ، عن أبيه ، عن سعيد بن المسيب ، قال : فتنت فاطمة الناس ، كانت للسانها ذرابة ، فاستطالت على أحمائها ، فأمرها [ ص: 295 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم ، وروي هذا عن ابن عباس في معنى قوله عز وجل : ( ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) .

                                                                            قال ابن عباس : الفاحشة المبينة : أن تبذأ على أهل زوجها ، فإذا بذؤت ، فقد حل إخراجها .

                                                                            وقيل في تفسير الفاحشة أنها إذا زنت ، تخرج لإقامة الحد عليها ، يروى ذلك عن ابن مسعود .

                                                                            وإنكار عائشة ، وابن المسيب ، على فاطمة بنت قيس ، من حيث إنها كتمت السبب الذي أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتد في غير بيت زوجها ، وذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها نفقة ، ولا سكنى ، فيقع به السامع في فتنة ، يظن أن للمبتوتة أن تعتد حيث تشاء .

                                                                            ويجوز للمعتدة الانتقال عن بيت العدة عند الضرورة ، بأن خافت هدما ، أو غرقا ، أو حريقا ، وإن لم يكن بها ضرورة ، وأرادت الخروج لشغل ، فإن كانت رجعية ، فلا يجوز ، وإن كانت بائنة فيحوز بالنهار ، ولا يجوز بالليل ، لما روي عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : طلقت خالتي ثلاثا ، فخرجت تجد نخلا لها ، فلقيها رجل فنهاها ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرت ذلك له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اخرجي فجدي [ ص: 296 ] نخلك لعلك أن تصدقي منه ، أو تفعلي خيرا" .

                                                                            والنخل لا يجد في غالب العرف إلا بالنهار ، وقد نهي عن جداد الليل ، وهذا قول ابن عمر ، قال : لا تبيت المتوفى عنها زوجها ولا المبتوتة إلا في بيتها .

                                                                            وإلى هذا ذهب الشافعي ، وقال أبو حنيفة : لا تخرج المبتوتة ليلا ولا نهارا ، كالرجعية ، وتخرج المتوفى عنها زوجها نهارا إن شاءت .

                                                                            وقال عروة بن الزبير في المرأة البدوية يتوفى عنها زوجها : إنها تنتوي حيث ينتوي أهلها .

                                                                            قال رحمه الله : وهذا قول أهل العلم ، قال الشافعي : لأن سكنى أهل البادية سكنى مقام غبطة ، وظعن غبطة .

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية