الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      أن دعوا للرحمن ولدا بتقدير اللام التعليلية . ومحله بعد الحذف نصب عند سيبويه وجر عند الخليل والكسائي ، وهو علة للعلية التي تضمنها (منه) لكن باعتبار ما تدل عليه الحال أعني قوله تعالى : وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا وقيل : علة لتكاد إلخ ، واعترض بأن كون (تكاد) إلخ معللا بذلك قد علم من (إدا) فيلزم التكرار . وأجيب بما لا يخلو عن نظر . وقيل : علة لهذا وهو علة للخرور ، وقيل : ليس هناك لام مقدرة بل إن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالإبدال من الهاء في منه كما في قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      على حالة لو أن في القوم حاتما على جوده لضن بالماء حاتم



                                                                                                                                                                                                                                      يجر حاتم بالإبدال من الهاء في جوده ، واستبعده أبو حيان للفصل بجملتين بين البدل والمبدل منه ، وقيل : المصدر مرفوع على أنه خبر محذوف أي الموجب لذلك دعاؤهم للرحمن ولدا وفيه بحث . وقيل : هو مرفوع على أنه فاعل هذا ويعتبر مصدرا مبنيا للفاعل أي هدها دعاؤهم للرحمن ولدا . وتعقبه أبو حيان بأن فيه بعدا لأن الظاهر كون هذا المصدر تأكيديا والمصدر التأكيدي لا يعمل ولو فرض غير تأكيدي لم يعمل بقياس إلا إذا كان أمرا كضربا زيدا أو بعد استفهام كاضربا زيدا وما هنا ليس أحد الأمرين وما جاء عاملا وليس أحدهما كقوله :

                                                                                                                                                                                                                                      وقوفا بها صحبي على مطيهم



                                                                                                                                                                                                                                      نادر . والتزام كون ما هنا من النادر لا يدفع البعد . ولعل ما ذكرناه أدق الأوجه وأولاها فتدبر والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل . و (ولدا) عند الأكثرين بمعنى سموا . والدعاء بمعنى التسمية يتعدى لمفعولين بنفسه كما في قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      دعتني أخاها أم عمرو ولم أكن     أخاها ولم أرضع لها بلبان



                                                                                                                                                                                                                                      وقد يتعدى للثاني بالباء فيقال دعوت ولدي بزيد واقتصر هنا على الثاني وحذف الأول دلالة على العموم والإحاطة لكل ما دعا له عز وجل ولدا من عيسى وعزير عليهما السلام وغيرهما . وجوز أن يكون من دعا بمعنى نسب الذي مطاوعه ما في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم ( من ادعى إلى غير مواليه )

                                                                                                                                                                                                                                      وقول الشاعر :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 142 ]

                                                                                                                                                                                                                                      إنا بني نهشل لا ندعى لأب     عنه ولا هو بالأبناء يشرينا



                                                                                                                                                                                                                                      فيتعدى لواحد ، والجار والمجرور جوز أن يكون متعلقا بمحذوف وقع حالا من (ولدا) وأن يكون متعلقا بما عنده ، وجملة (ما ينبغي) حال من فاعل (دعوا) ، وقيل : من فاعل (قالوا) ، (وينبغي) مضارع انبغى مطاوع بغى بمعنى طلب وقد سمع ماضيه فهو فعل متصرف في الجملة ، وعده ابن مالك في التسهيل من الأفعال التي لا تتصرف وغلطه في ذلك أبو حيان ، ويمكن أن يقال : مراده أنه لا يتصرف تاما ، و (أن يتخذ) في تأويل مصدر فاعله ، والمراد لا يليق به سبحانه اتخاذ الولد ولا يتطلب له عز وجل لاستحالة ذلك في نفسه لاقتضائه الجزئية أو المجانسة واستحالة كل ظاهرة ، ووضع الرحمن موضع الضمير للإشعار بعلة الحكم بالتنبيه على أن كل ما سواه تعالى إما نعمة أو منعم عليه وأين ذلك ممن هو مبدأ النعم وموالي أصولها وفروعها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية