الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سرية عبد الله بن عتيك لقتل أبي رافع سلام بن أبي الحقيق

واستأذن نفر من الخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله، ذبا عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وتشبها بالأوس فيما فعلوه من قتل ابن الأشرف، فأذن لهم، وكذلك كانوا رضي الله عنهم يتنافسون فيما يزلف إلى الله وإلى رسوله، وكان ابن أبي الحقيق بخيبر ، فخرج إليه من الخزرج من بني سلمة خمسة نفر: عبد الله بن عتيك ، ومسعود بن سنان ، وعبد الله بن أنيس ، وأبو قتادة الحارث بن ربعي ، وخزاعي بن أسود، حليف لهم من أسلم.

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ابن عتيك، ونهاهم أن يقتلوا وليدا أو امرأة، فخرجوا حتى إذا قدموا خيبر ، أتوا دار ابن أبي الحقيق ليلا، فلم يدعوا بيتا في الدار إلا أغلقوه على أهله، قال: وكان في علية، له إليها عجلة، قال: فأسندوا فيها، حتى قاموا على بابه، فاستأذنوا ، فخرجت إليهم امرأة فقالت: من أنتم؟ فقالوا: ناس من العرب، نلتمس الميرة، قالت: ذاكم صاحبكم فادخلوا عليه، فلما دخلنا أغلقنا علينا وعليه الحجرة، تخوفا أن يكون دونه محولة تحول بيننا وبينه، قال: وصاحت المرأة فنوهت بنا. قال: وابتدرناه وهو على فراشه بأسيافنا، والله ما يدلنا عليه في سواد الليل إلا بياضه، كأنه قبطية ملقاة، قال: ولما صاحت بنا امرأته، جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه، ثم يذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكف يده، ولولا ذلك لفرغنا منها بليل، قال: فلما ضربناه بأسيافنا، تحامل عليه عبد الله بن أنيس بسيفه في بطنه حتى أنفذه، وهو يقول: قطني قطني، أي: حسبي حسبي، قال: وخرجنا، وكان عبد الله بن عتيك رجلا سيء البصر، فوقع من الدرجة فوثئت يده وثأ شديدا - ويقال: رجله، فيما قال ابن هشام وغيره - قال: وحملناه حتى نأتي منهرا من عيونهم فندخل [ ص: 121 ] فيه، قال: فأوقدوا النيران، واشتدوا في كل وجه يطلبون ، حتى إذا يئسوا رجعوا إلى صاحبهم، فاكتنفوه يقضي بينهم. قال: فقلنا: كيف لنا بأن نعلم بأن عدو الله قد مات؟ قال: فقال رجل منا: أنا أذهب فأنظر لكم، فانطلق حتى دخل في الناس، قال: فوجدتها ورجال يهود حوله، وفي يدها المصباح تنظر في وجهه، وتحدثهم وتقول: أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت قلت: أنى ابن عتيك بهذه البلاد، ثم أقبلت تنظر في وجهه [ثم قالت: فاض وإله يهود] ، فما سمعت من كلمة كانت ألذ إلى نفسي منها ، قال: ثم جاءنا فأخبرنا الخبر، فاحتملنا صاحبنا، فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرناه بقتل عدو الله، واختلفنا عنده في قتله، كلنا يدعي، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هاتوا أسيافكم" فجئناه بها، فنظر إليها، فقال لسيف عبد الله بن أنيس: "هذا قتله، أرى فيه أثر الطعام"
.

قال ابن سعد: هي في شهر رمضان سنة ست، قال: وقالوا: كان أبو رافع قد أجلب في غطفان ومن حوله من مشركي العرب، وجعل لهم الجعل العظيم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وذكر ابن عقبة فيمن قتل أبا رافع: أسعد بن حرام، ولم يذكره غيره.

والعجلة: درجة من نخل، قاله القتبي. [ ص: 122 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية