الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب تنفيل سرية الجيش عليه واشتراكهما في الغنائم 3361 - ( عن حبيب بن مسلمة { أن النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع بعد الخمس في بدأته ، ونفل الثلث بعد الخمس في رجعته } . رواه أحمد وأبو داود ) .

                                                                                                                                            3362 - ( وعن عبادة بن الصامت { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل في البدأة الربع ، وفي الرجعة الثلث } . رواه أحمد وابن ماجه والترمذي ) . [ ص: 323 ]

                                                                                                                                            3363 - ( وفي رواية : { كان إذا غاب في أرض العدو نفل الربع ، وإذا أقبل راجعا وكل الناس نفل الثلث ، وكان يكره الأنفال ويقول : ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم } . رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث حبيب أخرجه أيضا ابن ماجه وصححه ابن الجارود وابن حبان والحاكم ، وقد رواه أبو داود عنه من طرق ثلاثة منها عن مكحول بن عبد الله الشامي . قال : كنت عبدا بمصر لامرأة من بني هذيل ، فأعتقتني ، فما خرجت من مصر وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى ، ثم أتيت الحجاز فما خرجت منها وبها علم إلا حويته فيما أرى ، ثم أتيت العراق فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى ، ثم أتيت الشام فغربلتها ، كل ذلك أسأل عن النفل فلم أجد أحدا يخبرني فيه بشيء حتى لقيت شيخا يقال له : زياد بن جارية التميمي ، فقلت له : هل سمعت في النفل شيئا ؟ ، قال : نعم ، سمعت حبيب بن مسلمة الفهري يقول : " شهدت النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البدأة والثلث في الرجعة " . قال المنذري : وأنكر بعضهم أن يكون لحبيب هذا صحبة ، وأثبتها له غير واحد . وقد قال في حديثه " شهدت النبي صلى الله عليه وسلم " وكنيته أبو عبد الرحمن فكان يسمى حبيبا الرومي لكثرة مجاهدته الروم ، انتهى . وولاه عمر بن الخطاب أعمال الجزيرة وأذربيجان ، وكان فاضلا مجاب الدعوة وهو بالحاء المهملة المفتوحة بموحدتين بينهما مثناة تحتية .

                                                                                                                                            وحديث عبادة بن الصامت صححه أيضا ابن حبان .

                                                                                                                                            وفي الباب عن معن بن يزيد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا نفل إلا بعد الخمس } رواه أحمد وأبو داود وصححه الطحاوي .

                                                                                                                                            قوله : ( نفل الربع بعد الخمس في بدأته . . . إلخ ) قال الخطابي : البدأة : ابتداء السفر للغزو ، وإذا نهضت سرية من جملة العسكر فإذا أوقعت بطائفة من العدو فما غنموا كان لهم فيه الربع ويشركهم سائر العسكر في ثلاثة أرباعه ، فإن قفلوا من الغزوة ثم رجعوا فأوقعوا بالعدو ثانية كان لهم مما غنموا الثلث ، لأن نهوضهم بعد القفل أشق لكون العدو على حذر وحزم انتهى . ورواية أحمد المذكورة في حديث عبادة تدل على أن تنفيل الثلث لأجل ما لحق الجيش من الكلال وعدم الرغبة في القتال لا لكون العدو قد أخذ حذره منهم . قوله : ( بعد الخمس ) فيه دليل على أنه يجب تخميس الغنيمة قبل التنفيل ، وكذلك حديث معن الذي ذكرناه

                                                                                                                                            وفي الحديثين أيضا دليل على أنه يصح أن يكون النفل زيادة على مقدار الخمس .

                                                                                                                                            وفيه رد على من قال : إنه لا يصح التنفيل إلا من الخمس أو خمس الخمس ، وقد تقدم بيان القائل بذلك ، وسيأتي تفصيل الخلاف في المقدار الذي يجوز التنفيل إليه . [ ص: 324 ]

                                                                                                                                            3364 - ( وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش والخمس في ذلك كله واجب } ) .

                                                                                                                                            3365 - ( وعن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية قبل نجد ، فخرجت فيها فبلغت سهماننا اثني عشر بعيرا ، ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا } . متفق عليهما .

                                                                                                                                            وفي رواية قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية قبل نجد فأصبنا نعما كثيرا ، فنفلنا أميرنا بعيرا بعيرا لكل إنسان ، ثم قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا غنيمتنا ، فأصاب كل رجل منا اثني عشر بعيرا بعد الخمس وما حاسبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أعطانا صاحبنا ، ولا عاب عليه ما صنع ، فكان لكل رجل منا ثلاثة عشر بعيرا بنفله . رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            3366 - ( وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { المسلمون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، ويجير عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم ، يرد مشدهم على مضعفهم ، ومتسريهم على قاعدهم . } رواه أبو داود .

                                                                                                                                            وقال أحمد : في رواية أبي طالب قال النبي صلى الله عليه وسلم : { السرية ترد على العسكر ، والعسكر يرد على السرية } ) . حديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا ابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر مطولا . ورواه ابن ماجه من حديث معقل بن يسار مختصرا . ورواه الحاكم عن أبي هريرة مختصرا أيضا ، ورواه أبو داود والنسائي والحاكم من حديث علي ، وقد تقدم في أول كتاب الدماء

                                                                                                                                            قوله : ( والخمس في ذلك كله واجب ) فيه دليل على أنه يجب تخميس النفل ، ويدل على ذلك أيضا حديث حبيب بن مسلمة المتقدم ، فإن فيه " أنه صلى الله عليه وسلم نفل الربع بعد الخمس ، ونفل الثلث بعد الخمس " وكذلك حديث معن الذي تقدم قريبا بلفظ : { لا نفل إلا بعد الخمس } قوله : ( قبل نجد ) بكسر القاف وفتح الموحدة : أي جهتها . قوله : ( فبلغت سهماننا ) أي أنصباؤنا ، والمراد أنه بلغ نصيب كل واحد هذا القدر ، وتوهم بعضهم أن ذلك جميع الأنصباء . [ ص: 325 ] قال النووي : وهو غلط قوله : ( اثني عشر بعيرا ، ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا ) هكذا وقع في رواية ، وفي رواية أخرى للبخاري : " اثني عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا " وقد وقع بيان هذا الشك في غيره من الروايات المذكورة بعضها في الباب .

                                                                                                                                            وفي رواية لأبي داود : " فكان سهمان الجيش اثني عشر بعيرا اثني عشر بعيرا ، ونفل أهل السرية بعيرا بعيرا ، فكان سهامهم ثلاثة عشر بعيرا " وأخرج ابن عبد البر من هذا الوجه أن ذلك الجيش أربعة آلاف . قوله : ( ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . إلخ ) فيه دليل على أن الذي نفلهم هو النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد وقع الخلاف بين الرواة في القسم والتنفيل ، هل كانا جميعا من أمير ذلك الجيش أو من النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدهما من أحدهما ، فهذه الرواية صريحة أن الذي نفلهم هو النبي صلى الله عليه وسلم ، ورواية أبي داود المذكورة بعدها مصرحة بأن الذي نفلهم هو الأمير ، ورواية ابن إسحاق مصرحة أن التنفيل كان من الأمير ، والقسم من النبي صلى الله عليه وسلم ، وظاهر رواية مسلم من طريق الليث عن نافع أن ذلك صدر من أمير الجيش ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مقررا لذلك ومجيزا له لأنه قال فيه : ولم يغيره النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                            ويمكن الجمع بأن المراد بالرواية التي صرح فيها بأن المنفل هو النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقع منه التقرير . قال النووي : معناه أن أمير السرية نفلهم فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم فجازت نسبته إلى كل منهما .

                                                                                                                                            وفي هذا التنفيل دليل على أنه يصح أن يكون التنفيل أكثر من خمس الخمس . قال ابن بطال : وحديث الباب يرد على هذا القول يعني قول من قال : إن التنفيل يكون من خمس الخمس لأنهم نفلوا نصف السدس وهو أكثر من خمس الخمس . وقد زاده ابن المنير إيضاحا فقال : لو فرضنا أنهم كانوا مائة لكان قد حصل لهم ألف ومائتا بعير ثم بين مقدار الخمس وخمسه ، وأنه لا يمكن أن يكون لكل إنسان منه بعير .

                                                                                                                                            قال ابن التين : قد انفصل من قال من الشافعية بأن التنفيل من خمس الخمس بأوجه : منها : أن الغنيمة لم تكن كلها أبعرة ، بل كان فيها أصناف أخر ، فيكون التنفيل وقع من بعض الأصناف دون بعض . ثانيها : أن يكون نفلهم من سهمه من هذه الغزاة وغيرها فضم هذا إلى هذا فلذلك زادت العدة . ثالثها : أن يكون نفل بعض الجيش دون بعض .

                                                                                                                                            قال : وظاهر السياق يرد هذه الاحتمالات ، قال : وقد جاء أنهم كانوا عشرة وأنهم غنموا مائة وخمسين بعيرا فخرج منها الخمس وهو ثلاثون ، وقسم عليهم البقية فحصل لكل واحد اثنا عشر ثم نفلوا بعيرا بعيرا ، فعلى هذا يكون نفلوا ثلث الخمس . وقد قدمنا عن ابن عبد البر أنه قال : إن أراد الإمام تفضيل بعض الجيش لمعنى فيه ، فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمة ، وإن انفردت قطعة فأراد أن ينفلها مما غنمت دون سائر الجيش فذلك من غير الخمس بشرط أن لا يزيد على الثلث انتهى .

                                                                                                                                            قال الحافظ في الفتح : وهذا الشرط قال به الجمهور .

                                                                                                                                            وقال الشافعي : لا يتحدد [ ص: 326 ] بل هو راجع إلى ما يراه الإمام من المصلحة . ويدل له قوله تعالى: { قل الأنفال لله والرسول } ففوض إليه أمرها انتهى . وقد حكى صاحب البحر هذا الذي قال به الشافعي عن أبي حنيفة والهادي والمؤيد بالله وحكي عن الأوزاعي أنه لا يجاوز الثلث وعن ابن عمر يكون بنصف السدس .

                                                                                                                                            قال الأوزاعي : ولا ينفل من أول الغنيمة ، ولا ينفل ذهبا ولا فضة . وخالفه الجمهور ، ولم يأت في الأحاديث الصحيحة ما يقضي بالاقتصار على مقدار معين ولا على نوع معين ، فالظاهر تفويض ذلك إلى رأي الإمام في جميع الأجناس . قوله : ( المسلمون تتكافأ دماؤهم ) هذا قد سبق شرحه في كتاب الدماء إلى قوله : " وهم يد على من سواهم " . وقد ذكره المصنف هنالك من حديث علي . قوله : ( يرد مشدهم على مضعفهم ) أي يرد من كان له فضل قوة على من كان ضعيفا ، والمراد بالمتسري الذي يخرج في السرية ، وقد تقدم الكلام على هذا .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية