الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      في الرجل يتزوج الصبية فترضعها امرأة له أخرى أو أجنبية أو أمه أو أخته

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت لو أن رجلا تزوج صبيتين فأرضعتهما امرأة أجنبية واحدة بعد واحدة أتقع الفرقة فيما بينه وبينهما جميعا أم لا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : يقال للزوج اختر أيتهما شئت فاحبسها وخل الأخرى وهذا رأيي .

                                                                                                                                                                                      قلت : لم جعلت له أن يختار أيتهما شاء ، وقد وقعت الحرمة فيما بينهما ، ألا ترى أنه لو تزوج أختين في عقدة واحدة فرقت بينه وبينهما ، فهاتان حين أرضعتهما المرأة واحدة بعد واحدة كانتا حين أرضعت الأولى من الصبيتين على النكاح لم يفسد على الزوج من نكاحهما شيء فلما أرضعت الثانية صارت أختها فصارتا كأنهما نكحتا في عقدة واحدة ، ألا ترى أنه لو فارق الأولى بعد ما أرضعتها المرأة قبل أن ترضع [ ص: 302 ] الثانية ، ثم أرضعت الثانية كان نكاح الثانية صحيحا ؟ أولا ترى أن الحرمة إنما تقع بالرضاع إذا كانتا جميعا في ملكه برضاعها الأخرى بعد الأولى فتصيران في الرضاع إذا وقعت الحرمة كأنه تزوجهما في عقدة واحدة فلا يجوز ذلك ، قال : ليس ذلك كما قلت ولكنا نظرنا إلى عقدتيهما فوجدنا العقدتين وقعتا صحيحتين في الصبيتين جميعا ثم دخل الفساد في عقدة كانت صحيحة لا يستطيع أن يثبت على العقدتين جميعا فنظرنا إلى الذي لا يصلح له أن يثبت عليه فحلنا بينه وبين ذلك ، ونظرنا إلى الذي يجوز له أن يثبت عليه فخليناه له ، وقد يجوز له أن يثبت على واحدة ولا يجوز له أن يثبت عليهما جميعا فحلنا بينه وبين واحدة وأمرنا له أن يحبس واحدة .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن كن صبيات ثلاث أو أربع تزوجهن وهن مراضع واحدة بعد واحدة فأرضعتهن امرأة واحدة بعد واحدة ؟ ، قال : إذا أرضعت واحدة فهن على نكاحهن ، فإن أرضعت أخرى بعد ذلك قيل : اختر أيتهما شئت وفارق الأخرى ، فإن فارق الأولى ثم أرضعت الثالثة قلنا له أيضا اختر أيتهما شئت وفارق الأخرى فإن فارق الثالثة ثم أرضعت الرابعة قلنا له اختر أيتهما شئت وفارق الأخرى ، فيكون بالخيار في أن يحبس الثالثة أو الرابعة وهذا إذا كان الخيار والفرقة قد وقعت فيما مضى قبلهما ، فإن أرضعت المرأة واحدة بعد واحدة حتى أتت على جميعهن ولم يختر فراق واحدة منهن فإن هذا له أن يختار في أن يحبس واحدة منهن أيتهن شاء ، إن شاء أولاهن وإن شاء أخراهن وإن شاء أوسطهن يحبس واحدة منهن ، أي ذلك أحب .

                                                                                                                                                                                      قلت : وهذا قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : هذا رأيي .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية