الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب بيان الصفي الذي كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسهمه مع غيبته 3367 - ( عن يزيد بن عبد الله قال : كنا بالمربد إذ دخل رجل معه قطعة أديم ، فقرأناها فإذا فيها : { من محمد رسول الله إلى بني زهير بن قيس : إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وأقمتم الصلاة ، وآتيتم الزكاة ، وأديتم الخمس من المغنم ، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم الصفي ، أنتم آمنون بأمان الله ورسوله ، فقلنا : من كتب لك هذا ؟ قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم } . رواه أبو داود والنسائي ) .

                                                                                                                                            3368 - ( وعن عامر الشعبي قال : { كان للنبي صلى الله عليه وسلم سهم يدعى الصفي إن شاء عبدا ، وإن شاء أمة ، وإن شاء فرسا يختاره قبل الخمس } )

                                                                                                                                            3369 - ( وعن ابن عون قال : { سألت محمدا عن سهم النبي صلى الله عليه وسلم والصفي قال : كان يضرب له سهم مع المسلمين ، وإن لم يشهد ، والصفي يؤخذ له رأس من الخمس ، قبل كل شيء } . رواهما أبو داود وهما مرسلان ) .

                                                                                                                                            3370 - ( وعن عائشة قالت : كانت صفية من الصفي . رواه أبو داود ) . [ ص: 327 ]

                                                                                                                                            3371 - ( وعن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد } . رواه أحمد والترمذي ، وقال : حديث حسن غريب ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث يزيد بن عبد الله سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح . قال المنذر : ورواه بعضهم عن يزيد بن عبد الله وسمى الرجل النمر بن تولب الشاعر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقال : إنه ما مدح أحدا ولا هجا أحدا ، وكان جوادا لا يكاد يمسك شيئا وأدرك الإسلام وهو كبير ، انتهى . ويزيد بن عبد الله المذكور هو ابن الشخير . وحديث عامر الشعبي سكت عنه أيضا أبو داود ورجاله ثقات وهو مرسل ، وأخرجه أيضا النسائي .

                                                                                                                                            وحديث ابن عون سكت أيضا عنه أبو داود ورجاله ثقات وهو مرسل كما قال المصنف ، لأن الشعبي وابن سيرين لم يدركا النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخرجه أيضا النسائي .

                                                                                                                                            وحديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح ، وأخرجه ابن حبان والحاكم وصححه أيضا ، ويشهد له ما أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن أبي عمرو عن أنس بن مالك قال : { قدمنا خيبر ، فلما فتح الله الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي وقد قتل زوجها وكانت عروسا ، فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ، فخرج بها حتى بلغنا سد الصهباء حلت فبنى بها } ويعارضه ما أخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجه من حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أيضا قال : صارت صفية لدحية الكلبي ثم صارت لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وما أخرجه أيضا مسلم وأبو داود من طريق ثابت البناني عنه قال : { وقع في سهم دحية جارية جميلة فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس ، ثم دفعها إلى أم سليم تصنعها وتهيئها ، قال حماد يعني ابن زيد : وأحسبه قال : وتعتد في بيتها وهي صفية بنت حيي } .

                                                                                                                                            وما أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن أنس أيضا من طريق عبد العزيز بن صهيب قال : { جمع السبي ، يعني بخيبر فجاء دحية فقال يا رسول الله أعطني جارية من السبي ، فقال اذهب فخذ جارية ، فأخذ صفية بنت حيي ، فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة والنضير ما تصلح إلا لك ، قال : ادع بها ، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال له : خذ جارية من السبي غيرها ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقها وتزوجها } . وبهذه الرواية يجمع بين الروايات المختلفة ، وأما ما وقع من أنه صلى الله عليه وسلم اشتراها بسبعة أرؤس فلعل المراد أنه عوضه عنها بذلك المقدار وإطلاق الشراء على العوض على سبيل المجاز ، ولعله عوضه عنها جارية أخرى من قرابتها فلم تطب نفسه فأعطاه زيادة على ذلك سبعة أرؤس من جملة السبي . قال السهيلي : [ ص: 328 ] لا معارضة بين هذه الأخبار فإنه أخذها من دحية قبل القسمة ، والذي عوضه عنها ليس على سبيل البيع . وقد أشار الحافظ في الفتح إلى مثل ما ذكرنا من الجمع ، والحكمة في استرجاعها من دحية أنه لما قيل له : إنها بنت ملك من ملوكهم ظهر له أنها ليست ممن توهب لدحية لكثرة من كان في الصحابة مثل دحية وفوقه ، وقلة من كان في السبي مثل صفية في نفاستها فلو خصه بها لأمكن تغير خاطر بعضهم فكان من المصلحة العامة ارتجاعها منه واختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بها ، فإن في ذلك رضا الجميع ، وليس ذلك من الرجوع في الهبة في شيء .

                                                                                                                                            وحديث ابن عباس المذكور في الباب قال الترمذي بعد إخراجه وتحسينه : إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث أبي الزناد ، وأخرجه ابن ماجه والحاكم وصححه قوله : ( ذا الفقار ) بفتح الفاء ، قال في القاموس : وذا الفقار بالفتح سيف العاص بن منبه قتل يوم بدر كافرا فصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم إلى علي انتهى . قوله : ( وهو الذي رأى فيه الرؤيا ) أي رأى أن فيه فلولا ، فعبره بقتل واحد من أهله فقتل حمزة بن عبد المطلب ، والقضية مشهورة والأحاديث المذكورة تدل على أن للإمام أن يختص من الغنيمة بشيء لا يشاركه فيه غيره ، وهو الذي يقال له الصفي ، وقد قدمنا الخلاف في ذلك في باب أربعة أخماس الغنيمة للغانمين




                                                                                                                                            الخدمات العلمية