الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون إن إبراهيم هو الذي حطم الأصنام؛ وجعلها فتاتا متكسرا؛ ووضع آلة الحطم والكسر في رأس الكبير منها؛ فكيف يقول: بل فعله كبيرهم هذا ؟! و "بل "؛ للإضراب عن قولهم الذي يومئ إلى أنه الفاعل؛ وإن لم يكن صريحا؛ قال بعض المؤولين من علماء الكلام: إن الضمير في "فعله "؛ يعود إلى إبراهيم؛ وإن كان هو المتكلم؛ كأنه بإيماء القول جرد من نفسه شخصا آخر يخبر عنه؛ والمعنى أنه فعل؛ واستؤنف كلام بعد ذلك هو: "هذا كبيرهم "؛ ولقد دفع بعض المتكلمين إلى هذا التكلف الذي ينافي السياق أنهم لا يريدون أن ينسبوا كذبة إلى أبي الأنبياء؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - معصوم عن الكذب؛ والخيانة؛ والظلم؛ قبل النبوة؛ وبعدها؛ ولكن في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نسب إلى إبراهيم ثلاث كذبات؛ أولاها هذه؛ والثانية أنه قال: إني سقيم والثالثة أنه قال عن زوجه سارة إنها أخته.

                                                          ونحن نرى أن قوله: بل فعله كبيرهم هذا ليس فيه كذب؛ بل فيها تهكم عليهم وسخرية بآلهتهم؛ ولولا الأثر لقطعنا بهذا؛ ولكنه احتمال نذكره؛ ولعل الأثر عده كذبة على أساس مظهر القول؛ لا على أساس المقصد لإبراهيم; لأن ظاهر القول أنه كذب. [ ص: 4888 ] والدليل على أنه سيق للتهكم والسخرية بهم؛ وبآلهتهم؛ قوله - بعد ذلك - فاسألوهم إن كانوا ينطقون الفاء عاطفة على إخبارهم بأن رئيسهم الذي فعل؛ أو الفاء للإفصاح؛ أي: إذا كان الفاعل هو؛ أو غيرهم فاسألوهم؛ وذلك فيه تهكم واضح عليهم; لأنهم لا ينطقون؛ فكيف يعبدون؟! وفي التهكم أخذ اعتراف منهم بأنهم لا ينطقون؛ وأنها أحجار لا تضر ولا تنفع؛ وهذا برهان قاطع على ضلالهم وبطلان ما يعبدون.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية