الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ أنق ]

                                                          أنق : الأنق : الإعجاب بالشيء . تقول : أنقت به وأنا آنق به أنقا وأنا به أنق : معجب . وإنه لأنيق مؤنق : لكل شيء أعجبك حسنه . وقد أنق بالشيء وأنق له أنقا ، فهو به أنق : أعجب . وأنا به أنق أي [ ص: 176 ] معجب قال :


                                                          إن الزبير زلق وزملق جاءت به عنس من الشام تلق     لا أمن جليسه ولا أنق



                                                          أي لا يأمنه ولا يأنق به ، من قولهم أنقت بالشيء أي أعجبت به . وفي حديث قزعة مولى زياد : سمعت أبا سعيد يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأربع فآنقتني أي أعجبتني ; قال ابن الأثير : والمحدثون يروونه أينقنني . وليس بشيء ; قال : وقد جاء في صحيح مسلم : لا أينق بحديثه أي لا أعجب ، وهي هكذا تروى . وآنقني الشيء يؤنقني إيناقا : أعجبني . وحكى أبو زيد : أنقت الشيء أحببته ، وعلى هذا يكون قولهم : روضة أنيق ، في معنى مأنوقة أي محبوبة ، وأما أنيقة فبمعنى مؤنقة . يقال : آنقني الشيء فهو مؤنق وأنيق ، ومثله مؤلم وأليم ومسمع وسميع ; وقال :


                                                          أمن ريحانة الداعي السميع



                                                          ومثله مبدع وبديع ; قال الله - تعالى - : بديع السماوات والأرض ; ومكل وكليل قال الهذلي :


                                                          حتى شآها كليل موهنا عمل     باتت طرابا وبات الليل لم ينم



                                                          والأنق : حسن المنظر وإعجابه إياك . والأنق : الفرح والسرور ، وقد أنق ، بالكسر ، يأنق أنقا . والأنق : النبات الحسن المعجب ، سمي بالمصدر ; قالت أعرابية : يا حبذا الخلاء آكل أنقي وألبس خلقي ! وقال الراجز :


                                                          جاء بنو عمك رواد الأنق



                                                          ، وقيل : الأنق اطراد الخضرة في عينيك لأنها تعجب رائيها . وشيء أنيق : حسن معجب . وتأنق في الأمر إذا عمله بنيقة مثل تنوق ، وله إناقة وأناقة ولباقة . وتأنق في أموره : تجود وجاء فيها بالعجب . وتأنق المكان : أعجبه فعلقه لا يفارقه . وتأنق فلان في الروضة إذا وقع فيها معجبا بها . وفي حديث ابن مسعود : إذا وقعت في آل حم وقعت في روضات أتأنقهن ، وفي التهذيب : وقعت في روضات دمثات أتأنق فيهن ; أبو عبيد : قوله أتأنق فيهن أتتبع محاسنهن وأعجب بهن وأستلذ قراءتهن وأتمتع بمحاسنهن ; ومنه قيل : منظر أنيق إذا كان حسنا معجبا ، وكذلك حديث عبيد بن عمير : ما من عاشية أشد أنقا ولا أبعد شبعا من طالب علم أي أشد إعجابا واستحسانا ومحبة ورغبة . والعاشية من العشاء : ، وهو الأكل بالليل . ومن أمثالهم : ليس المتعلق كالمتأنق ; معناه ليس القانع بالعلقة ، وهي البلغة من العيش كالذي لا يقنع إلا بآنق الأشياء وأعجبها . ويقال : هو يتأنق أي يطلب آنق الأشياء . أبو زيد : أنقت الشيء أنقا إذا أحببته ; وتقول : روضة أنيق ونبات أنيق . والأنوق على فعول : الرخمة ، وقيل : ذكر الرخم . ابن الأعرابي : أنوق الرجل إذا اصطاد الأنوق ، وهي الرخمة . وفي المثل : أعز من بيض الأنوق لأنها تحرزه فلا يكاد يظفر به لأن أوكارها في رءوس الجبال والأماكن الصعبة البعيدة ، وهي تحمق مع ذلك . وفي حديث علي - رحمة الله عليه - : ترقيت إلى مرقاة يقصر دونها الأنوق ; هي الرخمة لأنها تبيض في رءوس الجبال والأماكن الصعبة ; وفي المثل :


                                                          طلب الأبلق العقوق فلما     لم يجده أراد بيض الأنوق



                                                          قال ابن سيده : يجوز أن يعنى به الرخمة الأنثى وأن يعنى به الذكر لأن بيض الذكر معدوم ، وقد يجوز أن يضاف البيض إليه لأنه كثيرا ما يحضنها ، وإن كان ذكرا ، كما يحضن الظليم بيضه ، كما قال امرؤ القيس أو أبو حية النميري :


                                                          فما بيضة بات الظليم يحفها     لدى جؤجؤ عبل بميثاء حوملا



                                                          وفي حديث معاوية قال له رجل : افرض لي ، قال نعم ، قال ولولدي ، قال لا ، قال ولعشيرتي قال لا ، ثم تمثل :


                                                          طلب الأبلق العقوق فلما     لم يجده أراد بيض الأنوق



                                                          العقوق : الحامل من النوق ، والأبلق : من صفات الذكور ، والذكر لا يحمل فكأنه قال طلب الذكر الحامل . وبيض الأنوق مثل للذي يطلب المحال الممتنع ، ومنه المثل : أعز من بيض الأنوق والأبلق العقوق ، وفي المثل السائر في الرجل يسأل ما لا يكون وما لا يقدر عليه : كلفتني الأبلق العقوق ; ومثله : كلفتني بيض الأنوق . وفي التهذيب : قال معاوية لرجل أراده على حاجة لا يسأل مثلها وهو يفتل له في الذروة والغارب : أنا أجل من الحرش ثم الخديعة ، ثم سأله أخرى أصعب منها فأنشد البيت المثل . قال أبو العباس : وبيض الأنوق عزيز لا يوجد ، وهذا مثل يضرب للرجل يسأل الهين فلا يعطى ، فيسأل ما هو أعز منه . وقال عمارة : الأنوق عندي العقاب ، والناس يقولون الرخمة ، والرخمة توجد في الخرابات وفي السهل . وقال أبو عمرو : الأنوق طائر أسود له كالعرف يبعد لبيضه . ويقال : فلان فيه موق الأنوق لأنها تحمق ; وقد ذكرها الكميت فقال :


                                                          وذات اسمين والألوان شتى     تحمق وهي كيسة الحويل



                                                          يعني الرخمة . وإنما قيل لها ذات اسمين لأنها تسمى الرخمة والأنوق ، وإنما كيس حويلها لأنها أول الطير قطاعا ، وإنما تبيض حيث لا يلحق شيء بيضها ، وقيل : الأنوق طائر يشبه الرخمة في القد والصلع وصفرة المنقار ، ويخالفها أنها سوداء طويلة المنقار ; قال العديل بن الفرخ :


                                                          بيض الأنوق كسرهن ومن يرد     بيض الأنوق فإنه بمعاقل



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية