الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              [ ص: 287 ] الآية السابعة قوله تعالى : { واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا } : فيها مسألتان :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى في معنى التبتل ، وهو عند العرب التفرد ; قاله ابن عرفة " وقال غيره وهو الأقوى : هو القطع ، يقال : بتل إذا قطع ، وتبتل إذا كان القطع في نفسه ، فلذلك قالوا : إن معنى الآية انفرد لله ، وصدقة بتلة ، أي منقطعة من جميع المال . وفي حديث سعد : { رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له فيه لاختصينا } يعني الانقطاع عن النساء ، وفي الأثر : لا رهبانية ولا تبتل في الإسلام ، ومنه مريم العذراء البتول ، أي التي انقطعت عن الرجال ، وتسمى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم البتول ، لانقطاعها عن نساء زمانها في الفضل والدين والنسب والحسب .

                                                                                                                                                                                                              وهذا قول أحدثته الشيعة ، وإلا فقد اختلف الناس في التفضيل بينها وبين عائشة ، وليست من المسائل المهمة ، وكلتاهما من الدين والجلال في الغاية القصوى ، وربك أعلم بمن هو أفضل وأعلى .

                                                                                                                                                                                                              وقد أشرنا إليه في كتاب المشكلين وشرح الصحيحين .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية قد تقدم في سورة المائدة [ تفسير ] قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } حال الدين في الكراهية لمن تبتل فيه ، وانقطع ، وسلك سبيل الرهبانية بما يغني عن إعادته ، وأما اليوم وقد مرجت عهود الناس ، وخفت أماناتهم ، واستولى الحرام على الحطام ، فالعزلة خير من الخلطة ، والعزبة أفضل من التأهل ، ولكن معنى الآية : انقطع عن الأوثان والأصنام ، وعن عبادة غير الله ; وكذلك قال مجاهد : معناه أخلص له العبادة ، ولم يرد [ انقطع عن الناس والنساء وهو اختيار البخاري لأجل ما روي من { نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ] التبتل } فصار التبتل مأمورا به [ ص: 288 ] في القرآن ، منهيا عنه في السنة ; ومتعلق الأمر غير متعلق النهي ; إذ لا يتناقضان ، وإنما بعث النبي ليبين للناس ما نزل إليهم ، فالتبتل المأمور به الانقطاع إلى الله بإخلاص العبادة ، كما قال : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين }

                                                                                                                                                                                                              والتبتل المنهي عنه هو سلوك مسلك النصارى في ترك النكاح والترهب في الصوامع ، لكن عند فساد الزمان يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية