الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3401 [ ص: 269 ] باب كراهية طلب الإمارة والحرص عليها

                                                                                                                              ولفظ النووي : ( باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص206-207 ج12 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الرحمن! لا تسأل الإمارة; فإنك إن أعطيتها عن مسألة، وكلت إليها. وإن أعطيتها عن غير مسألة، أعنت عليها" ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              ( عن عبد الرحمن بن سمرة ) رضي الله عنه; ( قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عبد الرحمن! لا تسأل الإمارة) . هكذا في أكثر طرق الحديث. ووقع في رواية بلفظ: " لا تتمنين الإمارة " بصيغة النهي عن التمني، مؤكدا بالنون الثقيلة. قال ابن حجر : النهي عن التمني: أبلغ من النهي عن الطلب.

                                                                                                                              ( فإنك إن أعطيتها عن مسألة) أي: سؤال ( وكلت إليها) هكذا في بعض النسخ. وفي كثير منها أو أكثرها: "أكلت" بالهمزة. قال عياض : والصواب بالواو. أي: أسلمت إليها، ولم يكن معك إعانة.

                                                                                                                              قال في النيل "وكلت" بضم الواو وكسر الكاف، مخففا ومشددا، وسكون اللام. ومعنى المخفف: صرفت إليها. وكل الأمر إلى فلان: صرفه إليه. ووكله بالتشديد. استحفظه.

                                                                                                                              [ ص: 270 ] ( وإن أعطيتها من غير مسألة) . أي: سؤال ( أعنت عليها) .

                                                                                                                              معنى الحديث: أن من طلب الإمارة فأعطيها، تركت إعانته عليها، من أجل حرصه.

                                                                                                                              ويستفاد من هذا: أن طلب ما يتعلق بالحكم مكروه. فيدخل فيها أيضا القضاء، والحسبة، ونحو ذلك. وأن من حرص على ذلك، لا يعان. ويعارض ذلك في الظاهر حديث أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: " من طلب قضاء المسلمين حتى يناله، ثم غلب عدله جوره، فله الجنة. ومن غلب جوره عدله، فله النار " رواه أبو داود .

                                                                                                                              قال في المنتقى: وقد حمل على ما إذا لم يوجد غيره. وقال الحافظ: ويجمع بينهما: أنه لا يلزم "من كونه لا يعان بسبب طلبه": أن لا يحصل منه العدل إذا ولي، أو يحمل الطلب هنا على القصد، وهناك على التولية.

                                                                                                                              وبالجملة; فإذا كان الطالب مسلوب الإعانة، تورط فيما دخل فيه، وخسر الدنيا والآخرة. فلا تحل تولية من كان كذلك. وربما كان الطالب للإمارة مريدا بها الظهور على الأعداء، والتنكيل بهم. فيكون في توليته مفسدة عظيمة.

                                                                                                                              [ ص: 271 ] قال ابن التين : محمول على الغالب. وإلا فقد قال يوسف عليه السلام: اجعلني على خزائن الأرض . وقال سليمان: وهب لي ملكا .

                                                                                                                              قال: ويحتمل: أن يكون في غير الأنبياء، عليهم السلام. انتهى. قلت: ذلك، لوثوق الأنبياء بأنفسهم، بسبب العصمة من الذنوب. وأيضا، لا يعارض الثابت في شرعنا ما كان في شرع غيرنا. فيمكن أن يكون الطلب في شرع يوسف سائغا. وأما سؤال سليمان، فخارج عن محل النزاع. إذ محله: سؤال المخلوقين لا سؤال الخالق. وسليمان إنما سأل الخالق. والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية